قالت المؤرخة تشارلوت رايلي، إن الانسحاب منأفغانستان والانهيار اللاحق للبلاد على يد طالبان، يعتبر "أكبر فشل فيالسياسة الخارجية لبريطانيا منذ السويس".
وقالت تشارلوت، في تقرير نشرته صحيفةالغارديان، وترجمته "عربي21" إن هذا الوصف الذي استخدمه العديد منالأشخاص الآخرين بعد كارثة كابول، يعود إلى أحداث عام 1956.
وقد استخدم كثيرا علىمدى العقود التي تلت ذلك. بالطريقة نفسها التي رأيناها هذا الأسبوع، وأولئك الذيناستشهدوا بها يرون في السويس على أنها إذلال وطني كارثي ومع ذلك، في الوقت نفسه،يظهرون نقصا معينا في الوعي حول دور بريطانيا في العالم.
وأضافت: كانت هناك إشارات إلى السويس في هانسارد"سجل تقارير البرلمان" في أواخر الستينيات حول تورط بريطانيا في حرببيافرا. وكان هناك المزيد من تلك الإشارات في عام 1982، عندما ناقش النواب ما يجبالقيام به بعد غزو الرئيس الأرجنتيني، الجنرال غاليتيري، جزر فوكلاند؛ ثم جاءقرار توني بلير دعم غزو العراق عام 2003، ولا يبدو أن هناك تراجعا في هذا التوجه.
وقالت إنه منذ غزو العراق، تمت الإشارة إلىأزمة السويس بشكل متكرر بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي: وصف جو جونسون،عندما استقال من منصب وزير في نوفمبر 2018، عدم وجود صفقة انسحاب مواتية بأنه"فشل في إدارة الدولة البريطانية على نطاق لم يسبق له مثيل منذ أزمة السويس".
وحدثت أزمة السويس عندما تآمرت بريطانيا وفرنساوإسرائيل لغزو مصر بعد أن قام زعيمها جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس التيكانت مملوكة لمساهمين بريطانيين وفرنسيين. لكن كلا من أمريكا والاتحاد السوفيتياعترضوا بشدة على الغزو. لذلك، وعلى الرغم من انتصارها العسكري، كانت الدول الغازيةموضع إدانة دولية وهزيمة سياسية.
وقالت إنه يمكن استدعاء السويس بطرق مختلفة:عندما أُجبر بوريس جونسون على فرض إغلاق ثانٍ في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أعربأحد أعضاء البرلمان من حزب المحافظين عن غضبه من أن "هذه قد تكون السويسالخاصة به".
وفي هذا السياق، كانت المقارنة فعلا تتعلقبرئيس الوزراء آنذاك، أنطوني إيدن، وحقيقة أن الأزمة هي التي أدت إلى سقوطه. (السويسدائما ما تدور حول إيدن، ولا تتعلق أبدا بوزير الخارجية آنذاك، الذي غالبا ما يجدالناس صعوبة في تذكر اسمه وهو سلوين لويد: ربما يكون هذا أمرا مبشرا لدومينيك راب).
وتحمل أزمة السويس مثل هذا القلق للمؤسسةالبريطانية لأنها أصبحت اختصارا تاريخيا للانحدار البريطاني بعد الحرب. هناك فهمشائع بأن السويس كانت نقطة التحول في القوة البريطانية: فقد انتقلت البلاد منالانتصار على ألمانيا في عام 1945، وهي إمبراطورية يبلغ عدد سكانها 800 مليوننسمة، ومقعد على طاولة الناتو والأمم المتحدة، إلى فقدان إمبراطوريتها وعدم العثورعلى دور جديد حقيقة، كما أوضح وزير الخارجية الأمريكي حينها دين أتشيسون.
ويُنظر إلى السويس على أنها نقطة رئيسية فيتراجع الإمبراطورية البريطانية لأن القناة كانت جزءا مهما من البنية التحتية للإمبراطورية مما سمح بالعبور من بريطانيا إلى الهند دون الإبحار حول رأس الرجاءالصالح - ويرجع ذلك جزئيا إلى أن فهم الشعب البريطاني للتاريخ الإمبراطوري مشوشإلى حد ما (كانت مصر مستقلة عن المملكة المتحدة منذ عام 1922).
وفي الواقع، كانت مناهضة الاستعمار تتطور كحركةطالما كانت الإمبراطورية موجودة وأصبحت شبه القارة الهندية مستقلة بعد الحربالعالمية الثانية وبقيت بريطانيا تتشبث، في كثير من الأحيان بعنف، بمستعمراتها فيجميع أنحاء العالم حتى الستينيات. فلم تكن السويس نقطة التحول التي يتخيلها الناس.
ومع ذلك، فإن السويس صادمة لأنها تمثل اللحظةالتي اضطرت فيها بريطانيا لقبول أنها لم تكن قوية كما كانت في السابق. بعباراتبسيطة، اضطرت الأمة إلى الاختيار بين إمبراطوريتها وعلاقتها بأمريكا. حاولت اختيارالأول، لكن تم تذكيرها بالقوة بأن أمريكا تملك جميع الأوراق وحينها هددت أمريكا،بقيادة الرئيس أيزنهاور، بتدمير الاقتصاد البريطاني من خلال بيع سندات الاسترلينيالتي تملكها أمريكا.
ولكن على الرغم من الإحساس بأن قناة السويسأضرت بشدة بالعلاقة "الخاصة" الأنجلو أمريكية، إلا أنها في الواقعانتعشت مرة أخرى في الستينيات والثمانينيات. وتمكن البريطانيون من مقاومة الضغطالأمريكي في سياقات أخرى مثل الرفض المتكرر لإلزام القوات البريطانية بحرب فيتنام.ولا يمكن ربط إذعان بريطانيا في غزو العراق تاريخيا بأزمة السويس.
ربما يكون الجانب الأكثر إثارة للقلق في أزمةالسويس بالنسبة للمؤسسة البريطانية هو شعور ضبابي بفقدان الاحترام. فقبل الغزو،تواطأت بريطانيا سرا في بروتوكول سيفر مع فرنسا وإسرائيل. وتبين أن الرجال فيالقمة هم دجالون ومحتالون.
وعلى الرغم من أن زعيم حزب العمال، هيو جيتسكيل، عارضالتدخل العسكري، إلا أن استقالة إيدن لم تصبح حتمية إلا بعد أن تبين أنه ضللالبرلمان بشأن الطريق إلى الحرب. كانت الطبيعة الخفية للغزو هي التي دمرت سمعته.(وبالمثل، كانت الحكومة الأمريكية غاضبة من البريطانيين جزئيا لأن أفعالهم جعلت منالصعب إدانة الغزو السوفيتي للمجر في نفس الوقت تقريبا).
وقالت تشارلوت إن الشعور بأن بريطانيا كانت فييوم من الأيام أمة شريفة يقودها رجال شرفاء، وأن أزمة السويس هي التي قوضت هذهالسمعة، له جاذبيته، ويكاد ينجح كحجة إذا تم تجاهل كل السلوكيات المخزية السابقةلبريطانيا، وليس أقلها في إمبراطوريتها.
وشددت على أن استدعاء أزمة السويس لا يعني فيالحقيقة تعلم دروس جديدة. بدلا من ذلك، يتعلق الأمر بالإشارة إلى فكرة معينة عمايعنيه أن تكون بريطانيا في العالم، وبناء تاريخ للسياسة الخارجية البريطانية التيارتكبت فيها الأمة خطأ واحدا فقط، لم يسبق لأي حدث منذ ذلك الحين التغلب عليه فيكارثيته أو عاره إنه خيال مريح.
مزيد من التفاصيل