الرئيس والمشير.. خفايا تاريخية ونهايات درامية
من عبدالناصر إلى مرسى.. الرئيس والمشير
السبت، 18 أغسطس 2012 - 09:10
بدوى والاغتيال
.....
........
....
ويضيف حافظ أن بدوى طلب من السادات وضع قواعد جديدة وأسلوب جديد للحصول على السلاح للقوات المسلحة وذكر له أن هناك «رائحة فساد» بدأت تتسلل إلى الجيش، وعصابات بدأت تتكون من شخصيات قريبة من حسنى مبارك أصبحت تحصل على عمولات ضخمة فى صفقات نقل السلاح من الخارج.
فى شهادة حافظ – والذى كان صديقا مقربا من بدوى - ما يوحى بأن علاقة النائب مبارك بالقائد العسكرى فريق بدوى كان يشوبها التوتر، لكن فيها أيضا ما يلمح إلى تورط السادات فى مصرع بدوى، حيث يسجل حافظ على لسان بدوى قوله: «السادات ناوى يصفى أبطال حرب أكتوبر.. ده ناوى يصفينى أنا كمان.. وقال لى بالحرف الواحد.. الناس ديه لازم تتصفى يا أحمد.. أنت أصلك عبيط ما تعرفش حاجة»، فيما ترددت روايات عن أن بدوى رفض أوامر السادات بتوجيه ضربة عسكرية إلى ليبيا، ردا على ما كان السادات يصفه بتطاول القذافى عليه.
أبوغزالة.. إبعاد بأمر أمريكا
فى حياة الرئيس المخلوع حسنى مبارك مشيران أحدهما أطاح به مبارك من موقعه كقائد للجيش فى أول فرصة لاحت له لتحقيق ذلك، والثانى ساهم فى الإطاحة بمبارك ورفض دخول الجيش فى مواجهة مع الثورة الشعبية التى اندلعت فى 25 يناير 2011.. الأول هو المشير محمد عبدالحليم أبوغزالة والثانى هو المشير محمد حسين طنطاوى.
ولد المشير أبوغزالة فى 15 يناير 1930 بقرية زهور الأمراء بمركز الدلنجات بمحافظة البحيرة وتولى منصب وزير الدفاع فى أواخر عهد السادات وظل فى موقعه فى عهد خلفه حسنى مبارك حتى عام 1989 حين أبعده مبارك من منصبه وعينه بشكل شرفى «مساعدا لرئيس الجمهورية».
شارك أبوغزالة فى حرب أكتوبر 1973 قائدا لمدفعية الجيش الثانى، ورقى إلى رتبة مشير سنة 1982، وأحاط بتخلص مبارك منه فى عام 1989 الكثير من الروايات، فى مقدمتها خوف مبارك مما أصبح يحظى به قائده العسكرى من شعبية طاغية فى صفوف الجيش، القرار وقتها كان مفاجئاً وفسره البعض على أن الغرض منه التخلص منه لتزايد شعبيته فى الجيش، وما سرى لدى «الرئيس» من مخاوف من أن تدفع هذه الشعبية بـ«المشير» إلى الانقلاب عليه، فيما قال مراقبون غربيون إن سبب الإطاحة بأبوغزالة يرجع إلى تهريبه أجزاء تستخدم فى صناعة الصواريخ من الولايات المتحدة الأمريكية، وقيادته برنامجا لتطوير صواريخ طويلة المدى مع كل من الأرجنتين والعراق باسم كوندور2.
وترصد الروايات الموثقة لمسيرة حياة المشير الراحل أبوغزالة نجاحه فى مراوغة الولايات المتحدة الأمريكية بمناقصة دولية أقيمت من أجل إدخال دبابة قتال رئيسة بالإضافة إلى نقل تكنولوجيا تلك الدبابة، حيث لم تدخل الولايات المتحدة المناقصة حتى لا تدعم مصر بدبابة الأبرامز المتطورة على حساب حليفتها إسرائيل وظنا منها أن دول أوروبا لن تدعم مصر فى امتلاك دبابة قوية، لكنها فوجئت بالعديد من الدول تسعى للفوز بالمناقصة ومنها بريطانيا ودبابتها تشالينجر، فقررت أن تعرض على مصر دبابة الأبرامز بنسبة إنتاج ومكون محلى محدودة على أن تزداد كلما تم تجديد التعاقد لزيادة العدد، فقبلت مصر الصفقة وبهذا دخلت دبابة الأبرامز الأقوى عالميا بالخدمة بالجيش المصرى.
كما أسس أبوغزالة برنامجا سريا لصناعة الصواريخ الباليستية بالتعاون مع الأرجنتين وبدعم عراقى لمشروع برنامج صاروخ بدر 2000 «كوندور 2»، إلا أن المخابرات الأمريكية اكتشفت تهريب أجزاء تستخدم فى صناعة الصواريخ من الولايات المتحدة الأمريكية، وتردد أن واشنطن طلبت من مبارك استبعاد قائده العسكرى ردا على هذا الموقف وهو ما لقى هوى فى نفس الرئيس السابق، فسارع إلى الإطاحة به، ليبتعد أبوغزالة عن الأضواء، ويعود اسمه للظهور فى المشهد السياسى مع إقرار أول انتخابات رئاسية فى عام 2005 حين طرحت بعض القوى السياسية الدفع به كمرشح رئاسى فى مواجهة مبارك، إلا أن أبوغزالة فضل أن يكمل بقية حياته فى الظل حتى توفى مساء يوم السبت 6 سبتمبر 2008 فى مستشفى الجلاء العسكرى عن 78 عاما بعد صراع مع مرض سرطان الحنجرة.
طنطاوى.. من الهدوء إلى الثورة
حصل محمد حسين طنطاوى على بكالوريوس فى العلوم العسكرية من الكلية الحربية عام 1956م وشارك فى حرب أكتوبر 1973 قائد ا للكتيبة السادسة، وتدرج فى المواقع بالقوات المسلحة، فاختير قائدا للجيش الثانى الميدانى، ثم قائدا لقوات الحرس الجمهورى ورئيس هيئة عمليات القوات المسلحة، ثم وزيرا للدفاع فى مايو 1991م ووزيرا للدفاع والإنتاج الحربى فى أكتوبر 1993م، وظل فى منصب وزير الدفاع حتى اندلعت ثورة يناير 2011، واتخذ الرئيس السابق مبارك قراره بنزول القوات المسلحة إلى الشوارع، وبدا واضحا أن طنطاوى ومن معه من قيادات الجيش وأعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة عزموا على رفض الزج بالجيش فى أية مواجهة مع الثورة الشعبية، وهو ما أظهرته البيانات الصادرة عن المجلس والتى كانت تحمل تطمينات واضحة للثائرين فى مختلف الميادين بمصر بأن الجيش لن يطلق رصاصة واحدة فى مواجهة الشعب.
وعلى الرغم مما تحمله شخصية طنطاوى من ملامح الهدوء ومما بدا عليه خلال فترة عمله مع مبارك من أن الرجل لا يرفض لرئيسه طلبا، فإن تقارير إعلامية وشهادات مقربين من دوائر الحكم أجمعت على أن طنطاوى وكثيرين من قيادات الجيش كانوا يرفضون ما يدور فى غرف القصر الرئاسى من ترتيبات لتوريث الحكم إلى نجل مبارك الأصغر «جمال»، كما رصدت وثائق ويكليكس تعبيرات عن استياء لدى طنطاوى من الصعود المتنامى لدى جمال مبارك ومجموعة رجال الأعمال المحيطة به فى دائرة صنع القرار بالبلاد، وتردد فى ذروة الثورة الشعبية فى يناير أن جمال مبارك ومعه أنس الفقى وزير الإعلام الأسبق وحبيب العادلى وزير الداخلية الأسبق لعبوا دورا كبيرا فى دفع الرئيس المخلوع مبارك إلى إصدار قرار بإقالة المشير طنطاوى، ورئيس أركان الجيش سامى عنان، وهو القرار الذى أرسل للتليفزيون لإذاعته.. لكن رئيس قطاع الأخبار فى ذلك الوقت عبداللطيف المناوى سارع بعرض الأمر على مدير الشؤون المعنوية فى ذلك الوقت اللواء إسماعيل عتمان ليوقف الاثنان إذاعة بيان مبارك ويخرج عتمان ببيان بديل للمجلس العسكرى أعلن فيه الانعقاد الدائم للمجلس العسكرى ودعم الجيش لثورة الشعب، وهو البيان الذى وصف بأنه وضع النهاية لعلاقة الرئيس بالمشير، خاصة أن الأخير كان قد سبق ذلك برفض عرض من مبارك بتولى منصب نائب الرئيس بعدما أقدم مبارك على التغييرات التى كان قد فات أوانها بعد أن حددت ثورة الشعب مطلبها الرئيسى بهتافها الشهير «ارحل»، ولم تجمع بين الاثنين بعدها سوى قاعة أكاديمية الشرطة التى اختيرت مكانا لمحاكمة مبارك وابنيه علاء وجمال ووزير داخليته حبيب العادلى حيث استدعى طنطاوى للشهادة فى قضية اتهام مبارك ووزير داخليته بقتل مئات المتظاهرين خلال أحداث ثورة يناير.
مرسى والمشير
فى الوقت الذى كانت تتدفق فيه الآليات العسكرية على سيناء للمشاركة فى العمليات ضد البؤر الإرهابية بعد ساعات من تنفيذ عملية إجرامية أسفرت عن استشهاد 16 من ضباط وجنود القوات المسلحة وإصابة عدد آخر برفح المصرية، فاجأ الرئيس محمد مرسى الجميع بجملة قرارات أصدرها فى توقيت واحد، وكان على رأسها إحالة كل من المشير محمد حسين طنطاوى القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربى ورئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة للتقاعد ومعه نائبه رئيس أركان حرب القوات المسلحة الفريق سامى عنان.
كان واضحا أن الرئيس مرسى نجح فى استغلال المشاعر المتأججة والغاضبة ضد ما وقع لأفراد من الجيش المصرى على أيدى مجموعة إرهابية، وجاءت تصريحات رئيس جهاز المخابرات المقال اللواء مراد موافى عن إبلاغ الجهاز بمعلومات عن وقوع عمليات إرهابية بسيناء إلى القادة العسكريين لتلقى بالمسؤولية على طنطاوى ورجاله، ما سمح لمرسى بإصدار قراراته، التى قال إنه لا يقصد بها أحدا بعينه، دون خوف من مقاومة، لكن مراقبين لا يستبعدون أن تكون القرارات تمت بالتشاور مع كل من طنطاوى وعنان واستهدفت تجنيبهما المساءلة القانونية على الانتهاكات التى وقعت خلال الفترة الانتقالية منذ تولى المجلس العسكرى السلطة عقب الإطاحة بالرئيس السابق حسنى مبارك.
فى كل الأحوال فإن قرار «الرئيس» مرسى أبعد «المشير» طنطاوى من دائرة صنع القرار بعد عام ونصف العام صعد فيهم المشير إلى قمة المشهد السياسى فى مصر، وواجه انتقادات من معارضيه، وإشادات من أنصاره، ليتبقى أن من تولوا قيادة الجيش المصرى منذ ثورة يوليو 1952 وحملوا رتبة المشير بدءا من عبدالحكيم عامر ومرورا بأحمد إسماعيل والجمسى وبدوى وأبوغزالة ماتوا ومعهم الكثير من أسرار الحكم فى مصر، وأن فى خزينة المشير طنطاوى الكثير والكثير من الأسرار التى تحتاج إلى الكشف عنها.
د. يحي الشاعر