يختتم عام 2021 أيامه المثقلة بالانتهاكات بحقالمعارضين في مصر بواحدة من أكثر عمليات الإذلال في السجون، في العالم وليس في مصر،بحرمان أكاديمي مصري مسن والقائم بأعمال مرشد جماعة الإخوان المسلمين، محمود عزت،من "شم الهواء"، وقيام السجان برمي "اللقيمات" له من فتحةالزنزانة الانفرادية، وفق ما كشف لمحكمة.
وتعددت أنواع الانتهاكات بحق المعارضين، سواءمن خلال إصدار أحكام قاسية من قبل محاكم استثنائية، أو بإذلال وحرمان واضطهادالمحبوسين في السجون، بغض النظر عن أعمارهم وجنسهم، أو بوفاة العشرات داخل محابسهمجراء تفاقم معاناتهم الصحية، والإهمال الصحي المستمر، وتركهم دون رعاية كافية حتىالموت، وإصدار أحكام نهائية بالإعدام بحق معارضين بارزين.
وأثار مقطع مصور بإحدى جلسات محاكمة عزت أماممحكمة استثنائية قبل أيام من نهاية العام الجاري تعاطفا واسعا وغضبا كبيرا داخلمصر وخارجها، اشتكى فيه الرجل السبعيني من جملة انتهاكات مذلة، من بينها عدم السماحله برؤية الشمس، ولا استنشاق الهواء، وإلقاء بعض الطعام له من فتحة صغيرة في زنزانةانفرادية.
وانتقدت منظمات حقوقية وحقوقيون وسياسيونمصريون ودوليون إذلال المعارضين المتعمد، وأعربوا عن استغرابهم بأنه في حين يسمح لـ"الجواسيسوتجار المخدرات والمتهمين بالقتل والرشاوى والفساد بالتريض والزيارة، وإدخالالطعام والدواء، يحُرم هؤلاء، ومن بينهم علماء وأساتذة جامعات وأطباء ومحامونومدرسون وحقوقيون ونشطاء وغيرهم، من أبسط حقوقهم الأساسية وهم رهن سجون النظام وليسوا مجرمي حرب".
وفي المقطع المسرب، قال عزت البالغ من العمر"77 عاما" للقاضي: "أنا طوال هذه الفترة لا تفتح علي الزنزانة إلالثوان، يسلم لي الأكل، وبعد ذلك لا أشم الهواء. أنا محبوس بشكل انفرادي 16 شهرا،مضيفا: "في بعض المرات يتم إلقاء الأكل من فتحة في أعلى الباب، ولا أستطيعالتحرك أو استنشاق الهواء إلا من خلال هذه الجدران التي هي بمساحة الزنزانة".
وكشف عزت أنه لم يلتق بالمحامين، ولا يعرف منحضر ومن غاب منهم، ومن هم ليبلغهم ماذا لديه ليقوموا بدورهم بإبلاغ المحكمة، وأنهفي طريقه للمحكمة طوال الوقت وهو مغمض العينين، مضيفا أنه لم يكمل دقيقة في قراءةعريضة الدعوى التي سلمت إليه.
(1/3) pic.twitter.com/HCJyKl9TNH
— We Record - نحن نسجل (@WeRecordAR) December 23, 2021
وفي الشهر ذاته، تجاهلت السلطات المصرية كلالمطالب الحقوقية والدولية بضرورة الإفراج عن نشطاء المجتمع المدني، ومن بين تلكالدول ألمانيا أمريكا، واعتبرته الأولى مؤشرا حول مسار حقوق الإنسان في مصر، فيماجددت الأخيرة تحسن علاقاتها بالنظام بالإفراج غير المشروط عن هؤلاء، والكف عنملاحقتهم، وفتح المجال العام.
ووسط ترقب كبير للحكم الذي سوف يصدر بحق ثلاثةمن النشطاء والحقوقيين، قضت محكمة جنح أمن الدولة طوارئ، بسجن المدون والناشط علاءعبد الفتاح خمس سنوات، بعد محاكمته بتهمة "نشر أخبار كاذبة من شأنها تهديدالأمن القومي"، إلى جانب المدون محمد إبراهيم المعروف بأوكسجين، والمحامي محمدالباقر، بالسجن أربع سنوات في الاتهامات ذاتها، في حكم وصفته واشنطن "بخيبة أمل".
الإهمال الطبي واستمرار الإعدامات
الحصيلة الأكبر كانت من نصيب المرضى الذين تعرضواللإهمال الطبي في السجون، حيث رصدت منظمة "نحن نسجل" الحقوقية وفاة 5معتقلين سياسيين في السجون ومراكز الاحتجاز المصرية خلال شهر كانون الأول/ ديسمبر.
ووثقت منظمات حقوقية مصرية وفاة زهاء 50 معتقلا منذ بداية العام الجاري، جراء الإهمالالطبي المتعمد، واستمرار سياسة الحرمان من الرعاية الصحية، وتفاقم الإهمال الطبيللمرضى بأمراض مزمنة وكبار السن، من بينهم المعلم المثالي على مستوى الجمهورية عام2012، الذي كرمه الرئيس الراحل محمد مرسي.
وشهد عام 2021 إعدام 17 معارضا في 26 نيسان/أبريل 2021، بالقضية المعروفة إعلاميا بقضية "اقتحام قسم شرطة كرداسة"، وظلت مصر ضمن أكبر خمس دول منفذة لأحكام الإعدام في العالم عام 2020، بحسب منظمةالعفو الدولية.
وأشار تقرير للمنظمة، رغم انخفاض تنفيذ أحكامالإعدام المسجلة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلى أنها ارتفعت في مصر 3 أمثالها، فإن من بين 107 أعدموا في مصر، أدين من بينهم 23 شخصا في قضايا تتعلق بقضاياسياسية، بعد محاكمات وصفتها منظمة العفو الدولية بأنها بالغة الظلم، وشابتهااعترافات قسرية وانتهاكات أخرى.
ويواجه عدد من قيادات جماعة الإخوان أحكاماوشيكة بالإعدام، حيث أيدت محكمة النقض، وهي أعلى محكمة في مصر، أحكام الإعدام بحق12 رجلاً، أدينوا في محاكمة صورية جماعية شملت 739 شخصاً في 2018، عُرفت باسم قضيةفض رابعة، ما يدل على الأولويات المشوّهة لما يسمى نظام العدالة في مصر، بحسبمنظمة العفو الدولية.
سبب تمادي النظام المصري
في تعليقه، يقول مدير الأبحاث في مبادرة الحريةالأمريكية بواشنطن إن "قرارات القضاء المصري -كما هو معروف لدى جميع منظماتحقوق الإنسان الدولية- تفتقر لمعايير المحاكمة العادلة، ومسيسة بامتياز، وقد تعمدالنظام منذ سنوات خفض سقف التوقعات بممارسات قمعية وتعسفية أكثر إلى درجة أن أبسطالإجراءات (مثل البت في القضية 173 للمجتمع المدني) تبدو إنجازا كبيرا".
وبشأن عدم اكتراث السلطات المصرية بالمناشداتوالضغوط الدولية، أكد في حديثه لـ"عربي21" أن "النظام الحالي يرىأن تعاونه مع الولايات المتحدة أمني فقط، لذلك نراه يتباهى بدوره في غزة، ويتمادىفي قمع المعارضة السياسية. على الرغم من ذلك، فإننا نرى نشاطا غير مسبوق من أعضاءمجلسي النواب والشيوخ فيما يخص قضايا المعتقلين في مصر. نعمل على أن تكون قضيةالمعتقلين محل اهتمام صناع القرار والرأي العام الأمريكي، بغض النظر عن الإدارةالحالية".
واختتم حديثه بالقول: "الإدارة الأمريكيةودول غربية عديدة قدموا مطالب للنظام الحالي، ولا يزال يصدر أحكاما قاسية، ويشرفعلى اعتقالات وجرائم قتل منهجية في السجون ومقار الاحتجاز. على هذه الحكومات اتخاذخطوات أشد صرامة، الاستمرار في سياسة الشجب دون عواقب يضعف من مواقفهم وتصريحاتهم".
مزيد من التفاصيل