في الوقت الذييتواتر فيه الحديث عن أزمات مصرفية ومالية ونقص سيولة كبير تواجهه مصر وبنكهاالمركزي ومصارفها المحلية، دخل بنك عالمي له سمعة واسعة في القارة الأفريقية السوقالمصري، ما يصب الكثير من الآمال نحو إنعاش الاقتصاد المصري، وفق مراقبين.
وأعلن البنكالمركزي المصري، الاثنين، عن خطوة لافتة بدخول بنك "ستاندرد تشارترد" (PLC) الإنجليزي، لمصر بعد حصوله على رخصة للعملكفرع بنك أجنبي، للمصرف الذي يقع مقره الرئيسي في لندن ويضم نحو 1200 فرع ومنافذبـ 70 دولة.
اقرأ أيضا: لماذا لم تحقق ثورة "25 يناير " شعارها المنادي بالحرية؟
ومن المقرر أنيفتتح "ستاندرد تشارترد"، أول فرع له بالقاهرة في أيلول/ سبتمبر2022، ثم فرعا بالإسكندرية في 2023، وذلكوفق خطة استراتيجية وخطة عمل بالسوق المصري، وهي الخطوة التي اعتبرها نائب محافظالبنك المركزي جمال نجم، في تصريح صحفي، "خطوة تساهم في إثراء الجهازالمصرفي".
تحولهام
رخصة"ستاندرد تشارترد"، للعمل في مصر تعد الأولى بعد 16 شهرا من تصديق رئيسالانقلاب عبد الفتاح السيسي في أيلول/ سبتمبر 2020، على قانون البنك المركزيوالجهاز المصرفي المعروف باسم (قانون البنوك الجديد).
وينضم بذلكالبنك الإنجليزي متعدد الجنسيات إلى قائمة 5 بنوك أجنبية يضمها الجهاز المصرفيالمصري برخصة عمل كـ"فرع بنك أجنبي" وليس كـ"شركة مساهمة"،وهي "سيتي بنك"، و"المشرق"، و"الأهلي اليوناني"،و"أبوظبي الأول"، و"البنك العربي".
وأثنى مراقبون على خطوة دخول "ستاندرد تشارترد"،السوق المصري، كونها أول استثمار أجنبي كبير منذ فترة يدخل البلاد، خارج قطاعالطاقة والبتروكيماويات والاتصالات، مشيرين لوجود بيئة جاذبة كانت السبب إلى جانبدور قانون البنوك الجديد.
وأكدوا أندخول البنك الإنجليزي الآن يشير لتحول هام ويؤشر على أن مصر أصبحت تتمتع بوجودجاذبية عالمية كبيرة للاستثمار بالجهاز المصرفي، خاصة وأن دخول "ستاندردتشارترد"، يأتي بعد خروج مثير لـ8 بنوك أجنبية وعالمية من مصر.
وخرج من مصر بالسنوات السابقة، بنوك "الأهلي سوسيتي جنرال"، و"بي إن بي"الفرنسيان، و"نوفا سكوشيا" الكندي، و"بيريوس مصر"،و"سيتي بنك" الأمريكي، و"الوطني العماني"، و"باركليزمصر"، و"البنك الأهلي اليوناني".
كما تخارجت منالسوق المصري شركات عالمية بحجم "جنرال موتورز" الأمريكية،و"شل" النفطية، و"يلدز" التركية للصناعات الغذائية،و"ياهو" العالمية، و"توماس كوك" للسفر، ومصانع"إلكترولوكس" السويدية، ومصانع "تويوتا" و"سوزوكي"،و"باسف" الألمانية للكيماويات.
خطوة وسطضغوط
وشهدت نتائجأعمال المصارف المصرية خلال الشهور الـ9 الأولى من 2021 مجمعة، تراجع أرباح 6مصارف بالمقارنة بأرباحها بنفس الشهور من عام 2020 ذروة كورونا، وفق مقال للكاتبالصحفي ممدوح الولي، بـ"عربي21".
وأضاف:"حتى المصرف الوحيد الذي أعلن بياناته للعام الماضي كاملا حتى الآن، وزادتأرباحه خلال العام بنسبة 1.8 في المائة، فقد تراجعت قيمة أرباحه خلال الربع الأخيرمن العام 2021 بنسبة 18 في المائة عن الربع الأخير من عام 2020".
وكان لافتاوجود أزمة لدى البنوك المصرية، وهو ما أكده حديث للسيسي، خلال أسبوع الصعيد نهاية2021، والذي دعا فيه المصريين لوضع مدخراتهم من الأموال في البنوك بدلا مناستثمارها بالعقارات، ما اعتبره مراقبون إشارة لوجود أزمة.
وفي السياق،كشف تقرير مالي لوكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني 13 كانون الثاني/ يناير2022، حجم خطورة نقص السيولة بالبنوك المصرية، محذرا من تأثير ذلك على ودائع البنكالمركزي.
وقالت"فيتش"، إنّ تصنيفاتها للبنوك المصرية، خصوصا المتعلقة بالتمويلوالسيولة، قد تواجه ضغوطا إذا استمرت الأصول الأجنبية في التراجع.
وقبل تقرير"فيتش" بأيام أثار إعلان المركزي المصري وضع إطار جديد يمنح بموجبهالبنوك سيولة طارئة في حال عدم قدرتها على توفير السيولة من سوق الإنتربنك، الكثيرمن الجدل، حول حجم السيولة في البنوك.
وقال "المركزي"حينها إنه سيقرض البنوك التي تحتاج إلى سيولة بسعر عائد أعلى من متوسط أسعارالفائدة السائدة في السوق، والذي يتمثل في سعر الفائدة بالبنك المركزي للإقراضلليلة واحدة بالإضافة إلى هامش يحدده مجلس إدارة البنك المركزي بحد أدنى 5 بالمائة.
شهادةثقة وجاذبية
وفي اعتقاده،أكد الخبير الاقتصادي المصري الدكتور عبد النبي عبد المطلب، أن "دخول بنك(ستاندرد تشارترد) إلى السوق المصرفي المصري أمر طبيعي، حيث أن نشاط هذا البنكيتركز بشكل أساسي في الأسواق الناشئة، خاصة بآسيا وأفريقيا".
وفي حديثهلـ"عربي21"، أوضح أن "رغبة البنك للعمل في مصر ليست وليدة اللحظةالحالية، بل أعرب البنك مرارا عن رغبته في العمل بالسوق المصري؛ وما حدث هو أنالبنك المركزي، منح (ستاندرد تشارترد) رخصة للعمل بمصر باعتباره بنكاأجنبيا".
وعن دلالاتدخول "ستاندرد تشارترد" للعمل في مصر في ظل أزمات مصرفية وبعد تخارجبنوك عالمية، قال عبد المطلب: "أولا: لا توجد أزمة مصرفية في مصر؛ وكل ما حدثهو تعليمات من البنك المركزي بفرض رسوم على السيولة الزائدة التي يوفرها المركزيللبنوك التي تطلبها".
ولفت إلى أن"الهدف الأساسي من التعليمات الجديدة كان ضبط السوق المصرفي، والحد منالممارسات غير المنضبطة لبعض البنوك الصغيرة أو بعض فروع البنوك الأجنبية".
ويعتقد الخبيرالمصري أنه "لا توجد أزمة مصرفية في مصر، موجود سوء إدارة من بعض البنوك،وهذه البنوك تسببت في هز ثقة العملاء فيها، وليس في الجهاز المصرفي ككل".
وأضاف:"وثانيا: دخول (ستاندرد تشارترد) يشير لجاذبية قطاع المصارف المصرية، ورغبةعدد غير قليل من المصارف العالمية للعمل فيها".
وأعلن الخبيرالمصري عن توافقه الكامل مع "الطرحالذي يقول إن رغبة هذا البنك بالعمل في مصر هو بمثابة شهادة ثقة بالاقتصاد المصريبشكل عام والقطاع المصرفي المصري بشكل خاص".
وفي إجابتهعلى التساؤل: هل يعني دخول البنك الإنجليزي السوق المصري أن هذا القطاع مربحوبه فرص كبيرة ما يشجع شركات عالمية كثيرة لدخول مصر أو العودة لها؟ قال عبد المطلب: "رغم أزمة (كورونا) فإن البيانات الرسمية تشير إلىتحقيق البنوك العاملة بالسوق المصري أرباحا صافية بلغت نحو 80.1 مليار جنيهبالأشهر الـ9 الأولى من 2021، وذلك بزيادة بلغت نحو 57 بالمائة"، ويرى أن"هذا بالتأكيد مؤشر مغر لكافة المصارف العالمية للحصول على جزء من هذهالأرباح".
وألمح كذلكلوجود "استراتيجية أعلنتها مصر لطرح جزء من أسهم شركاتها في البورصة المصرية،وهذا بالتأكيد سينعش سوق المال من ناحية، وسوف يعطي فرصة كبيرة لتحقيق البنوكالعاملة في مصر أرباحا كبيرة".
وبشأن تخارجبنوك عالمية من مصر في السنوات السابقة، قال عبد المطلب: "تخارجت بعض البنوكالعالمية بسبب إصرار البنك المركزي على تطبيق القواعد المصرفية العاملة على كافةالبنوك العامة في مصر دون استثناء، كما أن بعض هذه البنوك تعرضت إلى مشاكل كبيرةفي بلادها الأصلية بسبب كورونا، ولذلك خرجت من السوق المصري لتقليل خسائرها منناحية، وتقليل حجم نشاطها عبر العالم من ناحية أخرى".
وعن احتمالاتعودة تلك البنوك للعمل مجددا في مصر مع دخول البنك الإنجليزي، أوضح أن "هذامتوقف على الفترة والمشاكل التي سوف تسببها كورونا، وخطط التعايش معها، ومدى رغبةواستعداد البنك المركزي لإعطاء تراخيص جديدة".
فرصةأرباح وفيرة
الخبيرالاقتصادي والأكاديمي المصري الدكتور علي عبد العزيز، تحدث في حديث خاصبـ"عربي21"، حول دلالات دخول بنك "ستاندرد تشارترد" الإنجليزيللعمل في مصر في ظل أزمات مصرفية عديدة وبعد تخارج بنوك عالمية.
وقال:"رغم تخارج 8 بنوك من مصر بالسنوات الماضية، ورغم وجود أزمة حالية تتعلقبالسيولة الدولارية، إلا أن القطاع المصرفي المصري يعد فرصة استثمارية لكثير منالبنوك العالمية".
وأكد أن"مصر تحتل المرتبة الأولى عربيا من الدول غير النفطية من حيث موجودات القطاعالمصرفي، بإجمالي موجودات 412 مليار دولار، ومعدل نمو قبل كورونا 11 بالمئة، كماأن البنوك المصرية ضخت 2.8 تريليون جنيه بالاقتصاد خلال 2021".
"وعليهفإن أي بنك يرى أن هناك فرصة بمصر لتحقيق أرباح، خاصة وأن العجز في ميزانالمعاملات الجارية فقط عند 18.1 مليار دولار، وهناك عوائد كبيرة تحققت في (2020/2021) من تحويلات المغتربين بلغت 31.4 مليار دولار، ونفس الرقم تقريبا من الصادرات بـ2021"، وفق عبد العزيز.
ولفت أيضا إلى "أن حجم استثمارات الأجانبفي أدوات الدين المحلية وصلت لأكثر من 34 مليار دولار"، لكنه ألمح إلى أنه"ورغم أن هذه الأرقام تبدو جاذبة للمستثمرين لكن في المقابل هناك مشكلاتكبيرة تتعلق بالقطاع المصرفي المصري".
وأشار إلى"تحذيرات وكالة (فيتش) الأخيرة من الضغط على أصول البنوك الدولارية، والتيوصلت إلى ناقص 7.1 مليارات دولار، وتحذيرات رئيسة صندوق النقد الدولي كريستينلاغارد، من خطورة موقف الدول المدينة بالدولار كمصر عندما يرفع الفدراليالفائدة".
وتحدث الخبيروالأكاديمي المصري أيضا عن أزمات مصرفية أخرى تتمثل في "وجود فجوة دولاريةنتيجة سياسات السيسي السفيهة في الاقتراض والإنفاق، قد تصل 50 مليار دولار".
وقال:"وهنا نعود للبنوك الـ8 التي خرجت خلال السنوات الماضية، فقد يكون هناك أسبابكثيرة منها صعوبات تحويل الأرباح أو صعوبات بيروقراطية من الحكومة أو فرض سياساتنقدية معينة من البنك المركزي مثل تحديد سعر صرف الجنيه بأقل من قيمته".
وختم حديثهمشيرا إلى أنه "قد يكون من الأسباب الفشل التسويقي والإداري"، لافتاإلى أنه "من البنوك التي خرجت من مصر باركليز، وبيريوس، ونوفا سكوشيا، وسيتيبنك، والوطني العماني".
عوامل سياسيةواقتصادية
خبير اقتصاديمصري آخر، قلل في حديثه لـ"عربي21"، من خطوة خروج بعض البنوك من مصرموضحا أن "أي بنك خرج من مصر حل محله بنك آخر، مثلا سوسيتيه جنرال حل محلهالأهلي القطري، وباركليز حل محله وفا التجاري المغربي، وهكذا".
وعن دخول بنك"ستاندرد تشارترد"، للعمل في مصر أكد أن "قطاع البنوك قطاع متخمبالأرباح وتسعى الدول لدخوله سواء لمكاسبه أو لأنه يكشف لها بطن الأوضاعالاقتصادية بالبلد الذي تملك فيه بنكا".
وأوضح معرغبته في عدم ذكر اسمه، أنه "ولذلك هناك طلبات لإمتلاك بنوك مصرية، لكن هناكتباطؤ في الاستجابة لها".
وأكد أن"العامل السياسي هنا له دور في الموافقة من عدمها، لذلك فإن السماح بالبنكالبريطاني به جانب سياسي واقتصادي معا".
دلالة مهمة
من جانبه، أكدرئيس مكتب الشمول المالي في بنك "Alexbank- Intesa SanPaolo"،علاء لاشين، أن دخول بنك "ستاندرد تشارترد" مصر "له دلالة اقتصاديةهامة، خصوصا أنه في السنوات الأخيرة كثير من البنوك العالمية تخارجت من مصر".
وأضاف عبرصفحته بـ"فيسبوك"، أن دخول البنك الإنجليزي الآن شهادة ثقة في الاقتصادالمصري والقطاع المصرفي، ورسالة بأن هذا القطاع مربح وبه فرص كبيرة، ويشجع شركاتعالمية كثيرة على دخول مصر.
وأشار لأهميةوجود بيئة جاذبة مع قانون البنوك الجديد، لافتا لأهمية الخطوة كون "ستاندردتشارترد" بنك عالمي منتشر بالدول النامية وأفريقيا، ويرفع المنافسة ودائمايكون بالمراكز الأولى بأي بلد يدخلها، ويهتم بالإبتكار، متوقعا أن يضخ استثماراتجيدة ويبني شبكة فروع بالمحافظات.
مزيد من التفاصيل