أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن مساء اليوم الثلاثاء، حظر واردات النفط الروسية، في إطار محاولات التحالف الغربي ضرب مفاصل الاقتصاد الروسي وفي القلب منه قطاع النفط الذي درّ على الخزانة الروسية نحو 110 مليارات دولار العام الماضي، وذلك عقاباً على قرار روسيا غزو أوكرانيا.
القرار ستكون له تداعيات خطيرة على أسواق النفط العالمية وأسعار المشتقات البترولية من بنزين وسولار وغاز طبيعي، كما سيشعل موجة التضخم في الأسواق العالمية خاصة داخل الدول المستورة للوقود والذي تستخدمه على نطاق واسع خاصة في قطاعات الصناعة والإنتاج والنقل والشحن والطيران والزراعة.
كثيرون استغربوا قرار بايدن في هذا التوقيت الحرج، خاصة وأن أسعار النفط والغاز شهدت زيادات قياسية منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، كما أن المواطن الأميركي بدأ يتذمر من قفزات التضخم وأسعار البنزين التي وصلت إلى معدلات تؤثر سلباً على قدرته الشرائية ورفاهيته ولا تتناسب مع نسبة النمو في دخله.
لكن يبدو أن للإدارة الأميركية رأياً آخر في إصرارها على قرار حظر واردات النفط الروسي، مدعية أنها لا تخشى هذه الخطوة سواء على المواطن أو على مؤشرات الاقتصاد، من معدل نمو وتضخم وفرص توظيف. وفي كل الأحوال فإن القرار الأميركي يمثل شرخاً في التحالف الغربي تجاه روسيا إذ رفضت معظم الدول الأوروبية الانضمام لقرار واشنطن في فرض حظر على النفط الروسي
هنا نحن أمام 3 احتمالات قد تفسر اتخاذ هذا القرار الجريء في هذا التوقيت:
الاحتمال الأول، إما أن الولايات المتحدة أنجزت بالفعل صفقة أو اتفاقاً نهائياً بشأن البرنامج النووي مع إيران والذي يتيح لنفطها العودة إلى الأسواق الدولية وضخ أكثر من 3.6 ملايين برميل يومياً بشكل عاجل، على أن ترتفع الكمية إلى أكثر من 4 ملايين برميل في وقت لاحق، وبالتالي يتم بهذه الخطوة تعويض جزء من النفط الروسي الذي سيتم حبسه عن الأسواق الدولية بموجب العقوبات الأميركية الجديدة.
لكن الكميات التي ستضخها إيران ليست كافية بموجب الصفقة أو الاتفاق الجديد مع واشنطن لتعويض غياب الخام الروسي في الأسواق الدولية، حيث تتجاوز صادرات روسيا من النفط الخام 10 ملايين برميل يومياً، وبذلك تعد ثاني أكبر مصدر للنفط الخام بعد الولايات المتحدة، كما أن واردات الولايات المتحدة من النفط الروسي تتجاوز 20 مليون برميل شهرياً.
الاحتمال الثاني، أن يكون قد جرى الاتفاق بين واشنطن وفنزويلا بشأن السماح لصادراتها النفطية بالعودة إلى الأسواق الدولية وتخفيف العقوبات الأميركية المفروضة منذ سنوات على تلك الصادرات، مع التذكير هنا بأن فنزويلا تصنف على أنها أحد أهم مصدري النفط في العالم، وكانت قد تصدرت المركز الأول في احتياطات النفط عالمياً، لتبلغ حصتها من إجمالي الاحتياطي العالمي 17.5%، و303.8 مليارات برميل مع حلول نهاية عام 2020.
وهنا يجب التذكير بأن عدداً من المسؤولين الأميركيين البارزين سافروا سراً إلى فنزويلا، قبل أيام، في محاولة لإذابة الخلافات مع نظام الرئيس نيكولاس مادورو وفتح قنوات اتصال ثم مفاوضات مع أبرز حلفاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أميركا الجنوبية، وأحد أهم مصدري النفط الذي قد تخفف عودته إلى أسواق الطاقة الأميركية والعالمية من تداعيات فرض الحظر على النفط الروسي.
الاحتمال الثالث، أن تكون إدارة بايدن قد ضغطت على دول الخليج لتعويض ما ستفقده الأسواق العالمية من نفط روسي جراء القرار الأخير، علماً بأن الإدارة الأميركية أرسلت عدة رسائل لكل من السعودية، أكبر منتج للنفط داخل منظمة "أوبك"، والإمارات، لحثهما على زيادة الإنتاج وتعويض النقص المحتمل من النفط الروسي، لكن وبحسب المعلومات كانت ردود الفعل الخليجية باردة تجاه تلك الضغوط بذريعة التزام دول الخليج بما يتم الاتفاق عليه داخل تحالف "أوبك+" والذي تقوده الرياض وموسكو.
وفي حال عدم تحقق الاحتمالات الثلاثة أو أحدها، فإننا نكون أمام مغامرة أميركية ستشغل أسواق النفط، وقد نرى سعر البرميل عند 150 دولاراً خلال أيام وربما 200 دولار، وهذا لوحده يمثل تحدياً كبيراً لدول العالم، خاصة أوروبا والدول العربية المستوردة للنفط والمشتقات البترولية من بنزين وسولار وغيرهما، بل وقد يمثل شرارة احتجاجات في العديد من دول العالم تفوق تلك الاحتجاجات التي شهدتها بعض البلدان قبل 10 سنوات.
مزيد من التفاصيل