المصريون انتخبوا رجل دولة يستبدل السياسة بالوعظ! - محمد عبد الحكم دياب

[د. يحي الشاعر]

الصحف المصرية والعربية

المصريون انتخبوا رجل دولة فوجدوه يستبدل السياسة بالوعظ! -
بقلم
محمد عبد الحكم دياب

اقتباس on 28-11-1433 هـ المصريون انتخبوا رجل دولة فوجدوه يستبدل السياسة بالوعظ! محمد عبد الحكم دياب 2012-10-13 حبذ أصحاب رسائل وصلتني عبر البريد الالكتروني الاهتمام بفتح ملفات مسكوت عنها بعد الذي نشر عن مصرع المشير أحمد بدوي السبت الماضي، وطلب بعضهم تفاصيل أخرى عن الحادث، ومنهم من طرح أسئلة عن نوع الطائرة التى أقلت المشير الراحل ورفاقه، هل كانت طائرة ركاب عسكرية أم طائرة عمودية (هليوكوبتر)؟ وهل حملت الطائرة بضائع ومشتريات خاصة ببعض مرافقي المشير؛ أدت إلى زيادة الحمولة المقررة وتسببت في سقوطها. وتقول المعلومات المتوفرة بهذا الخصوص بأن الطائرة كانت عمودية، ولم تكن تحمل وزنا أكثر من المسموح، ومع احتراق المشير وكبار القادة نجا طاقم الطائرة الأربعة فقط، وهو ما ذكرناه، ونجا معهم سكرتير المشير هو الآخر! وقد قتل بعدها قائد الطائرة في حادث جنائي؛ قيل وقتها ان مجهولا أطلق عليه عدة أعيرة قاتلة أمام منزله بحي العجوزة بالقاهرة، وذكرت روايات أخرى أنه قُتل في هجوم على منزله بهدف السرقة، ثم توفي سكرتير المشير في حادث آخر! ومن الأسئلة الحائرة سؤال عن سر تخلف رئيس الأركان وقتها عبد الحليم أبو غزالة. وفي مهمة تفتيشية كهذه من المفترض أن يكون رئيس الأركان برفقة القائد العام ووزير الدفاع. وما لم ينتبه إليه كثيرون أن حسني مبارك لم يقم بعد توليه السلطة بإعادة فتح التحقيق في الحادث، وهو الذي كان غير راض عن تعيين المشير بدوي في منصبه. ومن المعلوم أنه كان على خلاف شديد مع المشير بدوي قبيل اغتياله بأيام، وذكرت المصادر حينها أن السبب كان اعتراض المشير بدوي على تدخل مبارك، وكان نائبا للرئيس ومسؤولا عن الشؤون العسكرية والأمنية، وكانت علاقته قد بدأت بصفقات السلاح، فضلا عن دخوله في شراكة مع حسين سالم وآخرين من العاملين في تلك التجارة، وقويت العلاقة بين مبارك وسالم بعد التخلص من بدوي، وأطلق مبارك يد سالم، ومنحه تسهيلات كبرى واستثناءات غير محدودة. يبدو أن الرئيس مرسي ما زال غير قادر على فتح مثل هذه الملفات في ظروفه الراهنة، لأنها تحتاج الى درجة عالية من الجسارة والقدرة على التحدي؛ في وقت أوقعته مشاغله بتثبيت حكمه بالقوة وبالحلول البوليسية في أسر الهاجس الأمني، حتى أحاط نفسه بحراسات كثيفة في حله وترحاله، وفي ذهابه وعودته من صلاة الجمعة، ورغم كثافة الحراسات لم يقو على أداء صلاة الجمعة الماضية في رفح وصلاها بالعريش، ولوحظ أنه في خطابه بمناسبة ذكرى حرب اكتوبر كان في حاجة للشعور بالأمن، وكان ذلك واضحا من قصر الحضور على المليشيات الإخوانية ورجال الأمن وقيادات حزب 'الحرية والعدالة' ومعهم رموز 'الجماعة الإسلامية'، التي اغتالت السادات، وغاب أبطال الحرب وممثلو الشعب بما فيهم من تنوع وتعدد، ولم توجه الدعوة للأحياء من العسكريين المخضرمين الذين شاركوا في الحرب، ومن المفترض أنهم مصدر فخر للعسكرية العربية وليس للعسكرية المصرية وحدها، وكذلك غاب أبطال المقاومة الشعبية وفدائيو سيناء والسويس ومدن القناة، ببطولاتهم التي لا تنسى إبان حرب الاستنزاف، واستمرت مع العبور العظيم؛ أولئك الأبطال استبدلوا بأعضاء من جماعة الإخوان المسلمين وقيادات حزب 'الحرية والعدالة'، واختزل جلال عارف نقيب الصحافيين الأسبق المشهد في 'أخبار'الثلاثاء الماضي (9/10/12)بالقول 'كاد الاحتفال يتحول إلى احتفال حزبي'. ولم يكن حضور القوات المسلحة في يوم عيدها على المستوى الذي يليق بالمناسبة وبدورها وحجمها وتأثيرها، ولم يسمح للفريق أول عبد الفتاح السيسي القائد العام ووزير الدفاع بالوقوف إلى جوار الرئيس مرسي في عربته المكشوفة، التي طاف بها الاستاد؛ الملعب الذي أقيم به الاحتفال بشرق القاهرة. ولم يَرِد على لسان الرئيس في يوم القوات المسلحة سوى عبارات إنشائية، سقط منها قادة عظام قادوا جيوشهم إلى النصر، وبدا الأمر وكأن هناك نية لعقاب القوات المسلحة وحرمانها من الفرح في يوم عيدها. والقلق البادي لدى أوساط عدة مصدره زيادة احتمال إحلال المليشيات المذهبية والطائفية محل جيش مصر العظيم، وفي هذه الحالة علينا ضم ذلك الاحتمال إلى الجهد الممنهج لطمس الهوية وإلغاء الذاكرة التاريخية والوطنية لمصر. ولا يمكن للمرء وهو يتعرض لمثل هذه الاحتمالات الخطيرة أن يقفز على تجاهل ومقاطعة صحيفة حزب 'الحرية والعدالة' الإخوانية لأخبار وزير الدفاع في تحركاته وأنشطته وحضوره المناسبات العسكرية والتدريبية والتعبوية. لم يقتصر الأمر على ذلك الموقف 'المفهوم' من 'العسكر'؛ الصفة التي تُطلقها جماعة الإخوان المسلمين ومعها جماعات يسارية صغيرة على المؤسسة العسكرية المصرية، بهدف الإساءة إليها، والنظر إليها كأنها مؤسسة مكونة من مرتزقة وانكشارية أو من قوة احتلال أجنبية؛ لا علاقة لها بالشعب وليست من طين أرضه، وإذا كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة قد أوقع نفسه في خطايا لا تغتفر أثناء قيادته للفترة الانتقالية، فأي تعميم يكشف سوء النية تجاه هذه المؤسسة العريقة بتاريخها الوطني العظيم. ولم يكن أمر الاحتفال قاصرا على تلك التصرفات، وزاد عليها إصرار الرئيس مرسي على رهن حاضر مصر ومستقبلها لحساب المرابين العرب والمسلمين والغربيين والصهاينة ملاك المؤسسات المالية والاحتكارية، والاستجابة لضغوطها وإسقاط مصر في دوامة القروض؛ تؤيده حكومة باهتة بلا موقف، وليس لها طعم ولا لون ولا رائحة. حين أراد الرئيس مرسي التعرض للاقتصاد أفتى بأن فوائد قرض صندوق النقد الدولي حلال، وتبوأ مقعد المفتي، الأقرب إلى وعاظ القرى والنجوع. ومن المعروف أن الحديث عن القروض والميزانيات يجمع بين الاقتصاد والسياسة والتخطيط وحسن استخدام الموارد الطبيعية والبشرية والمالية، وبذلك تتأسس تنمية حقيقية مستقلة، وبدونها لن تخرج مصر من أزماتها المستفحلة، والحديث الفقهي أو الجدل المذهبي لا علاقة له بهذه المجالات. وأغرى انخفاض سعر الفائدة والتسهيلات الممنوحة من صندوق النقد للقرض؛ أغرى الرئيس مرسي فتولى مهمة 'غسيل سمعة' الصندوق وتطهير قروضه من الدنس السياسي المكبل للإرادة الوطنية، ومن الفساد الاقتصادي والمالي، الذي يصادر على التنمية ولا يحقق الكفاية؛ بغض النظر عما تجلبه شروط الصندوق من ويلات ومصائب للفقراء ومحدودي الدخل، فشرط إلغاء الدعم أساس لمنح القروض، ومعه شرط فرض التقشف على الجوعى والمتقشفين أصلا، وتخفيض قيمة الجنيه المصري. والشروط الأخرى تصب في قناة الإغداق على الأثرياء ورجال الأعمال والمحتكرين ووكلاء الاحتكارات، وصندوق النقد عدو حقيقي للشعوب خاصة الفقراء ومحدودي الدخل منهم، ويجبرهم على دفع ضريبة الفساد، وتحمل أعباء استغلال الطبقات المهيمنة اقتصاديا وسياسيا. هذا فضلا عن شروط الشراكة مع الدولة الصهيونية، وذلك الغسيل غير من اسم الفوائد إلى 'خدمة الدين'، وزعم أن فائدة الواحد ونصف في المئة ليست ربا، 'ولن يرضى أن يأكل الشعب بالربا'. على حد قول الرئيس مرسي! وتعامل الرئيس مرسي مع منتقديه بطريقة 'السخرية السوداء'، وتعالى على الرد على ما يثار عن التكلفة الأمنية والمالية لأدائه الصلاة في المساجد، ولم يقدم ردا معتمدا على البيانات والحقائق والأدلة، ولم يجد إلا التشكيك في إيمان منتقديه؛ متهما إياهم بأنهم لا يعرفون صلاة الفجر! كلما دخل الرئيس مرسي اختبارا يفشل في إثبات أنه أُنتُخِب رئيسا لكل الشعب، وينجح في تأكيد أنه 'إمام' جماعة مذهبية منغلقة؛ لا علاقة لها بالسياسات ولا الخطط ولا تملك إرادة الولوج إلى عوالم الحلول وطرق أبواب المستقبل، وبالنسبة للمستقبل فإن العنصر الأولى بالاهتمام هنا هو الشباب، فقد ضحى وأبلى بلاء حسنا لصالح الثورة، وما زال يعاني من البطالة والغلاء وعنوسة النساء وتأخر سن زواج الرجال، ولأن مرسي يلبس رداء الواعظ ولم يرتد ثوب السياسي، فقد اهتم بتفاصيل غير مطلوبة كضرورة لإطالة فترة الوعظ كسبا للثواب، وغرق فيها، ولم يعرض لخطط ولا معالجات، وكان من الممكن أن يقوم قائد شرطة المرور بالحديث عن حصيلة آلاف المخالفات، التي أخذت مساحة من خطاب استمر قرابة ساعتين كان من الممكن اختزاله في عشرين دقيقة، والحديث عن عدد السيارات التي تسير عكس الاتجاه، أو عن التي تسير بلا ترخيص. ولم يكن مرسي مضطرا لذكر كل هذه الأرقام، وبدا ذكرها محاولة التفاف على العجز عن إنجاز ما وعد به. كان ذلك الخطاب فرصة محمد مرسي التي لم يحسن استغلالها، فلم يستطع تقديم نفسه كرجل دولة وصل للحكم من رحم ثورة أفرزت واقعا ومناخا قد لا يتكرر مرة أخرى في المدى المنظور، وبدلا من المساهمة في تمكين الثورة والانشغال بها زاد من عزلتها وأقصاها بعيدا عن التأثير والفعل. وكل ذلك صب في خدمة المترفين والمفسدين من أعضاء الجماعة وحلفائهم من رجال أعمال وسماسرة وبلطجية الحزب الوطني المنحل، وهذا إذا استمر يقود حكم مرسي إلى السقوط. كل الأرقام التي ذكرها مرسي تشي بأن الثورة لم تقم وأن سياسة حكم مبارك باقية. فالأرقام عن الدعم وادعاء وصوله الى مستحقيه، وتحمل الدولة أعباء الفقراء وعدم المساس بهم، تكرار لخطاب حسني مبارك وولده جمال، مع فارق بسيط؛ هو ارتجال الخطب، وتحصين الكلام بالدين؛ لم يفعل مرسي شيئا لغلاء الأسعار، ولا لاستغلال المرابين والتجار ولا لسوء الخدمات والإدارات الحكومية، ولا للفوضى الأمنية العارمة. ولم ير غير سائقي الحافلات الصغيرة 'الميكروباص'والأطباء وإضراباتهم، وتوقف عجلة الانتاج، من دون التطرق إلى الأسباب ومعالجتها. وكانت المناسبة لإحياء ذكرى وليست تشييعا لانتصار أنجزه الشعب وجيشه بروحه ودمه. وكانت فرصة للإعلان عن سياسات واضحة وعن خطط مستقبلية من رئيس جديد عليه أن يقدم رؤية وفكرا وأحلاما وانجازا لشعب أعيته حيل الأفق المسدود لحكامه الجدد. وجاء الرئيس مرسي ويده مغلولة؛ لا تحمل شيئا له قيمة. وكانت فرصة لتصحيح مسارات معوجة لأوضاع غير قابلة للاستمرار. ويردد كثير من الناس في مصر أنهم انتخبوا رئيسا ومشروع رجل دولة فوجدوه خطيبا وواعظا في زاوية من زوايا الصلاة المنتشرة في القرى والنجوع في يوم جمعة.

د. يحي الشاعر