عسل النحل المصري.. دواء تحول لداء
منى سليم : اسلام اونلاين
عسل النحل يعاني غش التجار وجهل المنتجين
كشفت دراسة علمية ميدانية أن عسل النحل الموجود بالسوق المصرية ملوث أغلبه بمادة "الكلورامفينيكول" التي تصيب البشر بالأنيميا الخبيثة، وتثبط عمل النخاع العظمي.
فحصت د. زينب الشريف ثلاثين عينة عسل تم سحبها من جميع محافظات مصر، وجميعها ظهر بها المادة الملوثة، وأشارت الباحثة بقسم الكيمياء الحيوية بهيئة الرقابة والبحوث الدوائية المصرية، أنه على الرغم من الحساسية الضعيفة للأجهزة الموجودة داخل الهيئة فإن النتائج كلها جاءت تؤكد وجود الكلورامفينيكول في 100% من عينات العسل.
شاركت د.إيناس سعد، الأستاذة بقسم السموم والمخدرات بالمركز القومي للبحوث د. الشريف في بحثها،حيث بدأت القصة مع تلك الدراسة التي استمرت عامين، والتي قامتا بها دون تكليف من أي جهة رسمية، بعد معرفتهما أن مصر ضمن قائمة الدول المحظور استيراد عسل النحل منها دوليا، لتلوثه بمضادات حيوية تعلاج الإصابات البكتيرية والطفيلية التي تصيب النحل.
الكلورامفينيكول حسبما توصفه النشرة الداخلية له كعقار هو مضاد حيوى واسع المدى ذو فاعلية على البكتيريا الموجبة الجرام و السالبة الجرام على حد سواء . و يؤثر أيضاً على البكتيريا اللاهوائية.
وهو يمتص بعد تعاطيه مباشرة و ينتشر فى معظم أنسجة و سوائل الجسم، حتى أنه يظهر فى السائل المخى الشوكى و سوائل العين المائية و الزجاجية و يعبر حاجز المشيمة و يفرز فى لبن الأم و يتم إخراجه عن طريق البول .
إلا أنه يوجد بالنشرة تحذير واضح يشير إلى أن هذا الدواء لابد ألا يستعمل لفترات طويلة أو متكررة ولو بجرعات صغيرة لتفادى أثاره الجانبية الضارة، والتي نصت عليها النشرة وهي هبوط فى نشاط نخاع العظام والأنيميا الحادة و سرطان الدم " لوكيميا " وأكدت على أن يقتصر استعماله فى الحالات التى لا تستجيب لأى مضاد حيوي آخر .
وأوضحت د. زينب أن عددًا من أصحاب المناحل اتصلوا بها لتأكيد كونهم يستخدمون الكلورامفينيكول، دون أن يكونوا على علم بأخطاره على البشر، ويطلبون منها البحث عن بديل آمن له.
خالي من الكيماويات
وقد دعت الدكتورة زينب الشريف، إلي إلزام الشركات المنتجة لعسل النحل بكتابة عبارة «خالي من الكيماويات» علي عبوات العسل المتداولة بالأسواق. حيث أثبتت في دراستها وجود الكلورامفينيكول وبعض المضادات الحيوية الأخرى بعينات من العسل الذي يحمل عبارة "عسل عضوي". علماً بأنه ليس هناك نسب مسموح بها لإضافة المضادات الحيوية في العسل أي لابد أن تكون صفر%، وهو ما نفته الدراسة.
وترى د. الشريف أن الاعتقاد الشائع بأن العسل يقتل البيكتريا ليس صحيح علمياً، لأن مادة الكلور أمفينيكول هي التي تقتل البكتيريا وليس تأثير المضاد الحيوي الطبيعي في عسل النحل.
يذكر أن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، قد أصدرت بيان في يناير 2002 تقترح فيه أن تتخذ الدول خطوات لوقف استخدام الكلورامفينيكول في المنتجات الغذائية، نظراً لسميته، حيث يضاف أيضاً في بعض الدول للأعلاف الحيوانية.
أصحاب المناحل: نتعلم بالتجربة
ويؤكد أكرم الرحيمي أحد أصحاب المناحل أنه يستخدم تلك المادة بالفعل لانتشارها في الصيدليات، ورخصها حيث لا يزيد ثمن الشريط الواحد منها عن 80 قرشا (0.15 دولارًا أمريكيًا)، وأضاف أنه لا يثق كثيرا بالأبحاث العلمية المنشورة لأن نتائجها متضاربة، مشيرا إلى أنه سيلتزم بعدم استخدام هذا الدواء؛ فقط إذا جاءته نشرة رسمية من وزارة الصحة تفيد بهذا.
ويوضح علي زايد صاحب منحل صغير، أنه عندما يصاب النحل لديه بأي عرض يذهب للاستعانة بالأطباء في الصيدلية البيطرية، ولا يسأل أو يشك فيما يقدمونه له من أدوية أو نصائح، فهو ككثير من مربي النحل بمصر يعتمد على التجربة والخطأ والخبرة لدى القدماء بهذه المهنة، وعلق قائلا: "لم يقل لنا أحد إن العسل الذي تناوله سبب له أمراضا".
أما المهندس أيمن محروس صاحب شركة منتجات غذائية، فأوضح أن الشركة بها عدد من المستشارين العلميين، يستعان بهم لوضع مواصفات قياسية للمنتج، خاصة أنه يستهدف به السوق الدولي لا المحلي فقط، لذا لجأ من البداية لمواد طبيعية مثل الليمون والزعتر لعلاج الإصابات بالمناحل لديه، مؤكدا أن لهم نتائج جيدة في أغلب الحالات، وبرغم اعتقاده أن العسل منتج نظيف بحد ذاته وطارد لأي مواد كيماوية داخله، لكنه يفضل الابتعاد عن الأدوية؛ لأن المخاطر القادمة من ورائها لا يمكن تحديدها.
كرنفال الجهل والغش
وقد أرجع د. محمود السيد نور أستاذ تربية النحل بكلية الزراعة جامعة القاهرة مشكلة تلوث العسل إلى جهل المنتج والمستهلك وعدم وجود رقابة كافية.
وأكد أن متبقيات المضادات الحيوية وبعض الأدوية بالفعل تترسب في النحل، وأن أصحاب المناحل يستعملون الكلورامفينيكول لمواجهة مرض عفونة الحضنة الأمريكي، وهو نوع من البكتيريا الضارة المنتشرة بين النحل والتي تجعل للخلية رائحة سيئة.
وأضاف أن الدواء مهما كانت شدته فإنه ليس هو الحل في حال إصابة الخلية بهذا المرض، ولا بد من حرق أو ردم الخلية؛ لكن أصحاب المناحل يرفضون هذا إما عن جهل أو استخسار، فبالنسبة لهم مزيد من الإنتاج السيئ أفضل من التضحية بخلية أو اثنتين.
ويوضح د. نور أن متبقيات المضادات الحيوية ليست هي المشكلة الوحيدة التي يواجهها إنتاج العسل، فأنوع العسل متعددة حسب المحاصيل التي يتم امتصاص رحيقها وأهمها: البرسيم والموالح والموز والقطن وعباد الشمس، وحيث إن بعض أنواع العسل سريعة التسكر، لذا يقوم المنتجون بالتحايل على هذا بطريقة من اثنتين؛ وكلتاهما خطيرة.
الأولى تعتمد على منع التسكر من البداية بإضافة عصير ليمون مركز مما يغير من طبيعة العسل، والثانية عمل حمام مياه ساخن للعسل؛ وهو الأمر الضار جدا لأنه يقضي على إنزيمات العسل ويساعد على تكوين مادة سامة هي hmf.
وأضاف أن الطريقة الثانية مشهورة ومتبعة بصورة واسعة؛ ليس في مراحل الإنتاج الأولى فقط، ولكن بعض الشركات تسحب المتبقيات من إنتاجها في السوق والتي لم يتم بيعها نظرا لتسكرها ويعيدونها إلى حوض الماء الساخن مرة ثانية مما يعنى مزيدًا من السمية.
وقد وضعت معظم دول العالم حدًّا أقصى لتواجد هذه المادة داخل العسل، وكان المتبع بمصر مقاييس السوق الأوروبية، التي لا تسمح بأكثر من 40 مليون جزء في المليون لكل كجم عسل. لكن في عام 2003 عدلت هيئة المواصفات والجودة في مصر من هذه النسبة ورفعتها إلى 80 جزءًا في المليون دون مبرر.
وعن النصائح العامة التي يمكن لربة البيت الأخذ بها عند التعامل مع العسل:
- لاتشتري عسل النحل إلا من جهة أو شخص موثوق به .
-لا تثقي بالإعلانات البراقة، ولا تخوضي دون علم في فكرة الشفاء بالعسل.
-لا تقومي بتسخين العسل قبل استهلاكه لأن هذا يقضي على إنزيماته النافعة ويفرز مادة hmf السامة.
-لا تضعي العسل في أوعية شفافة أو تعرضيه للضوء الشديد لأن هذا أيضا يغير من إنزيمات العسل.
-قومي بلف وعاء العسل في ورق ألومنيوم "فويل" أو انقليه لعبوة غامقة اللون.
-تخيري عسل البرسيم والموالح فهو من أفضل أنوع العسل الطبيعي غير القابلة للتسكر والمتوافر إنتاجها في المنطقة العربية.