"ثالثهما الاستعباط".. يسخر من رهن عقول المصريين بين رجال الدين والأمن
"ثالثهما الاستعباط.." الاسم المناسب لعقود طويلة ظل فيها العقل المصري حبيساً بين أوامر "الكاب" في إشارة إلى الزي العسكري، وفتاوى "العمامة"، أوامر يصدرها رجل صارم الملامح، وعلى المتلقي التنفيذ دون تفكير، وحسب القاعدة المتعارف عليها ليس من حقك الاعتراض إلا بعد التنفيذ "نفذ ثم تظلم".
هذا ما يؤكد عليه بعبارات ساخرة ماجد سمير في كتابه "ثالثهما الاستعباط" الصادر عن مكتبة مدبولي بالقاهرة، ويقع في 128 صفحة من القطع المتوسط، متضمناً العديد من اللقطات الساخرة من أوضاع المصريين، خاصة تأرجح عقولهم بين جبروت الأمن وسلطة الدين.
ويشير الكتاب أنه ليس غريباً أبداً التحالف الذي يصل إلى حد الائتلاف الفكري بين الكاب "الكاكي" أو "العمامة" سواء البيضاء لعلماء الدين الإسلامي، أو السوداء لرجال الدين المسيحي، فالأمر يلزمه في أحيان كثيرة فتوى دينية تعضده وتسانده.
وبحسب المؤلف، ما اجتمع "الكاب" و"العمة" إلا وكان ثالثهما "الاستعباط"، في إشارة من جانبه إلى ضرورة ابتعاد علماء الدين عن الارتباط بالسلطة الحاكمة، التي تتخذ من الدين غطاء لتبرير أفعالها.
انتخابات ببطاقات التموين
ويتهكم الكتاب على الانتخابات التي كانت تجرى في ظل نظام الرئيس السابق مبارك، مشيراً إلى أنها استبدلت ضمنياً بطاقات الانتخاب ببطاقات التموين، وأصبح الشعار غير المعلن هو "وداعاً للبطاقة الانتخابية وأهلاً بالأرز والمهلبية"، كما اتخذت المعارضة شعاراً موازياً وهو "الزيت هو الحل"، خاصة إذا كان زيت "قلية"، في إشارة واضحة إلى أن بطاقة التموين أصبحت أساس التصويت، وأن عملية التصويت في حد ذاتها ليست سوى فرصة لزيادة رصيد الناخب من السلع التموينية.
ويظهر من بعيد دور الأحزاب المنافسة في الانتخابات، ومعظمها يؤيد بشدة الحزب الحاكم، ومنهم من يعلن ذلك دون مواربة، خاصة بعد أن اتضح أن هذه الأحزاب أيضاً تسعى إلى زيادة رصيدها من السلع التموينية.
ولم ينس الكتاب الحركات السياسية المختلفة مثل حركة "كفاية"، مشيراً إلى أنها لم تعد بمثل قوة الماضي، وأنه عندما سئل المنسق الإعلامي لها عن سبب اختفاء نشاط الحركة أجاب متعجباً وملخصاً الحال في كلمة واحدة ألا وهي "استكفينا"!
أما بقية الحركات الأخرى ومنها حركة "6 الصبح" فأكد رئيسها أن الهدف من اسم الحركة هو الذهاب إلى العمل وعدم التأخر عن موعده، لذا كان الإصرار على تسميتها "حركة 6 الصبح"!
القانون المشؤوم
وتطرق الكتاب إلى قانون الطوارئ المطبق في مصر منذ 30 عاماً، مشيراً إلى أنه من الطبيعي أن يستوقف أصغر رجالات وزارة الداخلية أي شخص ويقوم بتفتيشه ذاتياً أو حتى تجريده من ثيابه في أي وقت وبدون إبداء الأسباب لمجرد الشك، مشيراً إلى أن مصر تعيش منذ ثلاثة عقود تحت القانون المشؤوم الذي أعطى جبروتاً لرجال الأمن، حتى تحولت مصر خاصة في السنوات الأخيرة من حكم مبارك إلى دولة بوليسية من الدرجة الأولى، حتى اقترب الأمر إلى أن المواطن الذي يريد أن يتنفس بات عليه أن يأخذ تصريحاً مسبقاً من قسم الشرطة التابع له.
ويستهجن الكاتب دفاع البعض عن القانون، وتأكيدهم أنه لم يمنع الحريات بدليل وقوف المتظاهرين دوماً أمام مجلسي الشعب والوزراء، صحيح أنه لا مجيب لهم، لكن القانون لم يمنعهم من الصراخ، حتى أن رئيس الوزراء الأسبق أحمد نظيف ترك لهم المجلس ورصيفه بالكامل وفضل أن يعقد اجتماعاته في هدوء في القرية الذكية في الصحراء الخالية حتى لا يسمع هناك "صريخ ابن يومين"!
كما يستنكر الكتاب موقف النظام السابق من أزمة مياه نهر النيل، وتجاهلها المريب لتحركات دول المنبع لحرمان مصر من حصتها الاستراتيجية من الماء، مشيراً إلى أن النظام المصري المنهار عاش عقوداً طويلة في وهم التعالي على دول إفريقيا بشكل عام، وعلى دول حوض النيل تحديداً.
وبات المصري العادي، بحسب المؤلف، يتعامل مع القادمين من القارة السمراء على أنه بواب، رغم أن المصري بات لا يملك عمارة ولا بيتاً ولا حتى خيمة إيواء، وأضاعت الخارجية المصرية كل مجهوداتها في أشياء لا علاقة لها بملف مياه النيل، أهم ملفات الأمن القومي المصري.
ويتطرق الكتاب إلى مسألة أخرى صارت وسيلة للسرقة في ظل النظام السابق، ألا وهي العلاج على نفقة الدولة، متسائلاً: "يعني إيه على نفقة الدولة، هي مصر كانت متجوزة كل هؤلاء وطلقتهم ولا إيه؟، خاصة أن الحاصلين على هذا العلاج على نفقة الدولة ليسوا من الفقراء المعدمين، لكنهم من أولي الأمر والمسؤولين وشلة المنتفعين من مجلس الشعب "الموقر"، الذين أضحى بيد كل منهم مغرفة أو "كوريك" ليغرف كل ما يستطيع حمله من أموال العلاج على نفقة الدولة له ولأسرته ولأصدقائه.. وليذهب الشعب إلى "محكمة الأسرة" للحصول على شيء من حقه في المال العام، والشعب في هذه الحالة كالزوجة، عليه أن يحمد ربه في كل ركعة على حظه الكبير، لأنه يجد من يأويه في بلد طويلة عريضة مثل مصر.
وينهي ساخراً بقوله: "صحيح أن الغالبية العظمى من الشعب تعيش تحت خط الفقر، إلا أن مجرد الحصول على "خط" كافٍ لأن يخرج علينا كل يوم أحد المسؤولين وهو "يتفشخر" بما أنجزه، فهو من جعل الشعب يمتلك خطاً، سواء كان خط مترو المرج، أو خط تليفون محمول، أو خط الفقر!.
https://www.alarabiya.net/articles/20...30/143576.html