اعترف المقاله لبلال فضل ضحكتني كما لم اضحك من قبل
ولكن للأسف كما يُقال
وكم ذا بمصرِ من المضحكات ولكنه ضحكٌ كالبكاء
عندما تدخل شعباً بأكمله مدة سنين في "مخمضة" مهولة من الأكاذيب الإعلامية التي يسعى كل طرف فيها إلى إعادة تمثيل الجريمة بشكل يبرئه ويدين الآخرين تكون النتائج مخيفة، وتدفع كل الأطراف ثمنها غالياً.
طيب، أقسم لك أنني حين كتبت مقالتي الهزلية "الافتتاحية الأصلية لنيويورك تايمز!"، كنت متأكداً أنني سأتلقى ردود أفعال من بعض أنصار جماعة "الإخوان"، تتهمني بالكذب والتزوير، فالذي يصدّق أن عبد الفتاح السيسي تعرض للاغتيال، وأن من يحكم مصر الآن دوبلير له، وكان قبلها يصدق السيسي، وهو يبكي في صلاة الظهر، وأصبح بعدها يصدق، بالقوة نفسها، أن والدة السيسي يهودية، يمكن أن يصدق أن افتتاحية صحيفة دولية مرموقة، يمكن أن تبدأ بعبارة "أوه يا إلهي، عبد الفتاح السيسي يا له من رجل"، وقد جاء في الأمثال: "من يصدق أن الأندلس ستعود، يصدق طبعاً أن مرسي سيعود".
لكن، صدقني لم يخطر لي على بال أن أجد حماساً من بعض أنصار السيسي لنشر المقالة، بوصفها ترجمة لافتتاحية حقيقية، تنافح عن بطولات السيسي. ليس لأنهم منزهون عن تصديق الأكاذيب، فمن يصدق تحول الإيدز إلى كفتة، يمكن أن يصدق أي هراء آخر، وإنما ظننت أن وجود اسمي "الكريه" لديهم سيمنعهم من تصديق كل ما يرتبط به. ولذلك، استغربت حين وجدت أحد عتاولة السيساوية ينشر المقالة، كاتباً لمتابعيه "انشر المقالة الأصلية لنيويورك تايمز لفضح كذب الغربان المتأسلمين". تضايقت، لأنني ظننته "يعلّي على سخريتي بسخرية أعلى من سخريتها"، لكنني اكتشفت أنه، وبعض متابعيه، نشروا المقالة الهزلية بحماس شديد، وفين وفين حتى قالت له متابعة على استحياء "مش عارفة أنا فهمتها على أنها أسلوب سخرية بيسخر منه، مش بيمجد فيه، بس جايز أكون غلطانة"، فرد عليها بثقة "المهم إنه فضح عادة الإخوان القميئة في تحريف الكلام".
رده المباغت أصابني بخرس لحظي، تحول إلى خرس مؤقت، عندما وجدت سيساوياً آخر، يشارك المقالة كاتباً "إلى كل من يكرهون الرئيس المحترم عبد الفتاح السيسي، انتبهوا، فالعالم كله يحسدنا عليه، ويتمنون لو كان رئيساً لهم، حتى انظروا ماذا قال عبد الفتاح السيسي لأوباما في الاجتماع الأخير بأميركا".
أعترف أنني وقفت مذهولاً أمام كلماته، باحثاً عن علامة تعجب هنا، أو "سمايلي فيس" هناك، وحين لم أجد سكة لفهم الكلام بوصفه سخرية، دخلت على صفحة الأخ للتأكد من كونه شخصية حقيقية، وغير مدسوسة على أنصار القائد البطل الملهم، لأجد أن صفحته متخمة بتمجيد السيسي والتهليل له، ووجدته، كعادة كثيرين من ضحايا المخمضة، قابلاً لتصديق أي شيء، بدليل أن الموضوع السابق الذي قام بمشاركته يحمل عنوان "قصة حب بين أميركية وحمار تنتهي بالزواج". وقد اختار أن يعلق عليه كاتباً: "الحمد لله على نعمة الإسلام".
في السياق نفسه، كتب مؤيدون للسيسي من الذين نشروا المقالة عباراتٍ مدهشة، اخترت لك من بينها: "افهموا يا خرفان، يا ولاد الجزمة، افرمهم يا سيسي"، "افتتاحية أسطورية لازم تكون فخور بالسيسي"، "على العقلاء قراءة المقال"، "استحلفكم بالله أن تقرأوا هذا المقال، فعلاً ارفع رأسك فوق انت مصري"، "لسه واللي جاي أحسن كتير"، "هكذا يكون الزعيم"، "من أجمل ما كتب عن السيسي، لا ومن مين من بلال فضل". أما التعليق الذي كاد يصيبني بخرس دائم من فرط الضحك، فقد كان لسيساوي "عُقر"، قرر أن يخاطب الغرب فنشر المقالة مصحوبة بعبارة "فيري امبورتانت".
أما على الجبهة المرساوية، فقد أرسل أخ يعمل في شركة كبرى خارج مصر، يسألني بجدية عن رابط المقال الذي ترجمته، لأنه يشك في أن "نيويورك تايمز" تمدح السيسي، في حين كتب آخرون "أنت منافق أكثر من غيرك، هل يعقل أن جريدة كبيرة تكتب هذا الكلام الفاضي، ده ما تقولوش واحدة بتحب واحد"، "لكل المغيبين ها هي أم الصحف الأميركية تسخر من السيسي، وتتريق على كذبه وشخصيته"، "همّا الأمريكان دول بيفهموا يعني.. عالم ما عندهاش دم"، "هو السيسي اشترى نيويورك تايمز ولا إيه؟ بلال فضل ده متواطئ بدرجة امتياز"، "كاذبون كاذبون أوفر أوي الكلام ده ولا رأفت الهجان".
أما التعليق الذي أفحمني، فصرت لا أعرف هل أضحك أم أبكي أم ألطم على صداغي بحجرين، هو تعليق محايد فلسفي تأملي، كتبه برنس حقيقي، يعيش في عالم يخصه وحده، حيث قام بمشاركة المقالة بعد أن كتب "سبحان الله، حتى الترجمة مختلفين فيها.. اللهم اجمع شمل المصريين". وهي عبارة ستلازمني ما حييت، ليس لتركيبتها السيموطيقية المذهلة، بل لأنها ستظل تذكرني بأنني كنت، ذات يوم، كاتباً هادفاً، مثلت كتابته عظة لواحد من خلق الله.
يا خفي الألطاف، نجنا مما نخاف.
|
اقتباس |
|
|
|
|
|
|
|
|
افتتاحية نيويورك تايمز الأصلية
بلال فضل
9 أكتوبر 2014
لا أدري كيف وقعت وسائل إعلامية عريقة في فخٍّ، نصبته لها قوى الطابور الخامس وفلول جماعة الإخوان المتأسلمين، حيث قامت، للأسف، بتداول افتتاحية تمت نسبتها إلى صحيفة "نيويورك تايمز"، كبرى الصحف الأميركية وأوسعها انتشاراً، تشن فيها هجوماً حاداً على المشير عبد الفتاح السيسي، وتصف عهده بأنه أكثر قمعاً وسواداً من عهد حسني مبارك، وتطالب الحكومة الأميركية باتخاذ إجراءات اقتصادية حادة ضد إدارته لمصر، مع أن أي مشترك في صحيفة "نيويورك تايمز"، سواء في نسختيها الورقية أو الإلكترونية، كان يمكن أن يرجع إلى نص الافتتاحية الأصلية؛ ليجد أنه لا علاقة له بما تم نسبته زوراً وبهتاناً للصحيفة. وقد تطوعت لترجمة النص الأصلي هنا، على أمل أن تصل الصورة واضحةً لكثير من الجماهير التي تم خداعها وتضليلها.
يقول نص الافتتاحية الأصلية:
"عبد الفتاح السيسي، أوه يا إلهي، يا له من رجل، يا له من زعيم، كيف كان للعالم أن يعيش من غيره؟ ولماذا تأخرت الأقدار في إرساله إلى الوجود، لكي يكون مثلاً يحتذي به العالم في حل مشاكله المعقدة؟ هل شاهدتم حضوره؟ هل انبهرتم بذكائه؟ هل استطعتم مقاومة كاريزمته الطاغية؟ هل وجدتم أنفسكم وأنتم تذهبون بعيداً مع كلماته الأخاذة التي يلقيها بصوته الدافئ، لتحسدوا المصريين على حكمه لهم، وتتمنوا لو كان هو الذي يحكم بلادكم، لكي تضمن التقدم والرخاء والسعادة؟
تبا لنا، اللعنة يا صاح، كيف انشغلنا طيلة الوقت بذلك الهراء غير الموثق عن قيامه بقتل المئات، وسجن الآلاف، وتدهور الحريات؟ وهل كان لا بد من أن نراه مباشرة، وهو يخطب بطريقته الفريدة، لنفهم لماذا عشقه ملايين المصريين، ولماذا يباركون كل أفعاله؟ وهل جاء الوقت، لكي نعترف بأخطائنا، قبل أن يتأخر الوقت أكثر، ونضيع المزيد من فرص الاستمتاع برؤيته، وهو يعيد تشكيل حركة السياسة الدولية ويضبط إيقاع العالم على نغماته الخاصة؟ وهل يمكن أن يكون الحل لإخراج أوباما من عثراته المتتالية أن يتعلم القليل من هذا الثعلب المصري، بدلاً من اتخاذ قرارات خاطئة، تزيده ابتعاداً عنا، ونحن في أمسّ الحاجة إلى أن يكون لدينا أصدقاء مثله، نستعين بهم على وعثاء السفر وطول الطريق وكآبة المشهد الدولي؟
أوه، عزيزنا عبد الفتاح السيسي، أرجوك لا تعاملنا بما نستحقه، لأننا أسأنا فهمك، بل عاملنا بما يليق بك كقائد محنك، قام بشل حركة أسطولنا السادس، بدون أن يطلق رصاصة واحدة. خذ كل ما تريده من طائراتنا وأسلحتنا ومعداتنا ومساعداتنا العسكرية، وأعطنا فقط بعض هذا الوهج الذي ينبعث من نور عيني سياستك الخارجية. امنحنا قليلاً من مخزون كبريائك الاستراتيجي، اخطب فينا بالساعات، لتطربنا تلك الذبذبات الحنونة التي أسكرت أبناء شعبك. قل لنا ما الذي تأكله، لكي تحتفظ بكل هذا الثبات الانفعالي الذي يحتاج إليه قادتنا المرتبكون؟ خذ كل شيء، ولكن، علمنا فقط كيف نتهجى معك حروف أبجدية العزة، ودعنا نطير معك بلا أجنحة، ونسير خلفك مبتهجين، تجتاحنا النشوة التي لا يشعر بها إلا العشاق السائرون تحت ظلال الزيزفون".
أخي المواطن: بعد أن قرأت ترجمة النص الأصلي لافتتاحية "نيويورك تايمز"، لا تنتقد الإعلام المضلل، كن أنت الإعلام البديل، وسارع بنشر هذه الافتتاحية الأصلية، خدمة لرئيسك المحبوب، ووطنك المنظور. وإذا وجدت من ينتقد هذه الافتتاحية ويشكك فيها، فتذكّر أن هناك خونة، لا يصدقون أن مصر أسرت قائد الأسطول السادس، برغم أن ذلك جاء في مذكرات هيلاري كلينتون التي نشرها العديد من الوطنيين، بعد أن حاول العالم إخفاءها. وتذكّر أن هناك منبطحين لا يصدقون أن السيسي، بعد أن ظهر ضاحكاً في صوره الأخيرة مع أوباما، كشّر عن أنيابه فور خروج المصورين، ورمى أوباما بملف أعدته له الأجهزة السيادية، بالتعاون مع قناة "القاهرة والناس"، يحتوي على تسجيلات لأوباما في أوضاع تآمرية على مصر، صارخاً فيه صرخة أسد هصور "مش عليّ أنا الكلام ده.. ده أنا بابا يا له"، وهي الواقعة التي سيرويها أوباما في مذكراته التي ستصدر عقب خروجه قريباً من البيت الأبيض بفضيحة حمراء، تدبرها له عيون الأمن المصري الساهرة في هذه اللحظة التي تضغط فيها على أزرار الشير، من أجل أن تساعد مصر على أن تصبح قد الدنيا، لتضرب كل الذين ضربوا المشير السيسي، وهو في "خامسة ابتدائي". |
|
|
|
|
|