للسيسي: "اللي شبكنا يخلصنا" !
حدث ما حذرنا منه، و"وقعت الفأس في الرأس" ، ووجد التيار الأكثر تطرفاً في مصر أرضاً خصبة، ليمارس عملياته، ويعلن أن "سيناء" ولاية من ولاياته!.
في البداية، وفي مواجهة "فرق التعديد" ، نود أن نلفت الانتباه، إلى أن الذين رجحوا فكرة أن يكون الضحايا الذين تم الإعلان عن أنهم ماتوا في موقعة دمياط، قد قتلوا في ليبيا، لا يلامون، فاللوم يقع على السلطة الفاقدة للمصداقية، والمروجة للأكاذيب والروايات التي لا تصمد أمام أي مناقشة جادة. وفي كل حادث يقع تُتلى على مسامعنا "أساطير الأولين" ، وشاهدنا كيف أن أسماء تذكر، لمن يقال أنهم جناة، لنكتشف أنهم ما بين سجناء، وموتى، وأسرى لدى إسرائيل!.
فضلاً عن أن الرواية الحكومية، في حادث دمياط، بدت في حالة "ترنح" من أول نظرة، عندما جرى اتهام مجموعة من "البلنصات" بأنها من واجهت البحرية المصرية، فمن أصحاب هذه "البلنصات" من قضى نحبه في المواجهة، ومنهم من تم أسره. والدليل على كذب الرواية، أنه تم الإفراج عمن بقي منهم على قيد الحياة، وهم سبعة عشر صياداً، ليكون السؤال: وبأي ذنب قتل الآخرون؟!.
"فرق التعديد" هي تلك التي تقوم بإحياء المآتم، كما أن الفرق الغنائية مهمتها إحياء الأفراح. و "التعديد" أو "العديد" ، يكون بعَدّ مناقب الفقيد، بشكل يشبه أداء "الكورال" ، وعقب كل "كوبليه" ، ترتفع أصوات "المعددين" معاً بـ "حبيبي يا خويا" . مع أنه ليس أخاهم، وقد يكون مفتقداً للخصال التي يُمدح بها!.
تركت الفرق سالفة الذكر الموضوع كله، وأمسكت في ترجيح هذا المحلل لهذه الفرضية على الأخرى، ألا و لم يثبت صحة ما رجحه، فإن اللائمة تقع عليه، ومن ثم يكون الطلب بالتوقف عن التحليل. وحتى لا يذهب عقل القارئ بعيداً، فإنني لم أرجح فرضية على أختها، ولم أتعرض للموضوع برمته، ولا يمكني أن ألوم من تعرض ومن رجح.
ما يعنينا هنا أنه بعد إذاعة فيديو "بيت المقدس" ، التي بايعت "داعش" ، أن مصر دخلت في "حزام الإرهاب" فقد شاهدنا كيف مارس القوم عملية مقتل الجنود المصريين بأريحية، وكأنهم فريق لكرة القدم يلعب على أرضه، وكيف جرت دبابة من أمامهم فزعة، وكيف أن التصوير تم بتقنيات حديثة، ولم تجد جماعة الانقلاب رداً على ذلك، غير مخاطبة إدارة "يوتيوب" المرة تلو المرة، من أجل رفع "الفيديو" الفضيحة، فيرفع، ويوضع، وعندما انتشر كان الرد على "الفيديو" بـ "فيديو" ، ليهبطوا بأداء "الدولة المصرية" بما فعلوا، لمستوى "التنظيم" .
لم يتم الاعتذار عن العورات التي تبدت للناظرين، متمثلة في الدفع بجنود بدون التدريب الكافي، وبدون توفير الغطاء الجوي لهم، أو التدخل السريع لإنقاذهم من بطش جماعات، كان قد ظهر قائد الانقلاب، في حضرة الرئيس الأمريكي، مستعداً لملاقاتها في عقر ديارها في العراق، إذا أعاد الأمريكان له طائرات الأباتشي، "المسحوبة" ، فإذا بهذا التنظيم الأكثر غلواً يذيع خطاباً بأنه وصل لمصر، وجعل من سيناء مجرد ولاية له!.
وفي لحظة غرور ظن عبد الفتاح السيسي أنه يملك "فائض قوة" فقرر أن هذا "الفائض الهائل" هو في خدمة الدول التي تسانده في انقلابه، إذا تعرضت لمكروه، و "لمسافة السكة" ، فإذا المشهد بائس من خلال "الفيديو" إياه، على نحو يجعل من جنود محترفين لا يملكون صداً أو رداً في مواجهة هؤلاء المتشددين الهواة، الذين مارسوا في مصر إرهابهم ضد جنود لا حول لهم ولا قوة، وكأنهم من فرط الأريحية، يمارسون نشاطهم في "جبال تورا بورا" .
ممارسة الابتزاز هنا لن تفيد؛ بالحديث عن الشامتين في جيش بلادهم، وأن تنظيم "بيت المقدس" ينتمي للإخوان، وأن "الخليفة البغدادي" ، شوهد وهو يبايع حسن البنا في المنشط والمكره . فلو أصدر الإخوان فتوى بتكفير "داعش" ومن حولها، فلا يمثل هذا إضافة على أي صعيد، ولن يمثل هزيمة للبغدادي والذين معه في أي ميدان ؟!
"داعش" لا تكفر الأنظمة الحاكمة فقط، ولكنها تكفر قبلها الجماعات الإسلامية الأخرى، والسيسي عندهم كافر كما محمد مرسي، والخطر الحقيقي أننا إذا كنا نمتلك الأمل في إسقاط الانقلاب فسوف تجد القوة الموالية للشرعية نفسها في مواجهة من لن يمكنها من الفرح بذلك، لأنها ستواجه بخطر أكبر من جهة من نصب نفسه "خليفة للمسلمين" ، وليس أمام المسلمين إلا أن يسمعوا له ويطيعوا!.
مع "داعش" لا قيمة للفكر والرأي الآخر، فلسنا بصدد فقرة في برنامج "مصر الليلة" ، يمكن فيها لمثلي أن يناظر "الخليفة البغدادي" ويقارعه الحجة بالحجة. فالبغدادي يؤمن بأن السيف أصدق إنباء من الكتب. ومن هنا فالمواجهة تقع على عاتق من يملك أدوات القوة، لكنه يبددها في معارك "أوقات الفراغ" بنسف خيمة في سيناء بصاروخ، واحتشاد قوات الجيش والشرطة من أجل إيقاع الهزيمة بمتظاهرين سلميين، واحتشاد مؤسسات الدولة المصرية، بما فيه مؤسسة القضاء من أجل مواجهة طالب يحمل رواية، أو إدانة تلميذة بالانضمام لجماعة إرهابية، والعمل على قلب نظام الحكم بالقوة، والأداة المستخدمة لتنفيذ كل هذا، هي "مسطرة" عليها شارة "رابعة" .
لقد تم الانقلاب على السلطة الشرعية في البلاد، وعلى الرغم من هذا كان الحديث عن "الإرهاب المحتمل" ، وعندما طلب السيسي تفويضه لمواجهته، لم يجد إرهاباً فبدد تفويضه في مواجهة متظاهرين عُزّل، قتلوا وأحرقوا، فلم يملكوا ما يدافعون به عن أنفسهم!.
وها هو الإرهاب يأتي إلى مصر، بسبب هذا الانقلاب، الذي وفر له باستخدامه المفرط للقوة، في مواجهة متظاهرين، الأرض الخصبة للعمل وجذب هؤلاء الذين يئسوا من السلمية، وسخروا من صاحبها، وهو ملقى في السجون مهاناً، وقد كان في أحلك الفترات التي مرت على مصر، هو خط أحمر، فلم يعتقل مبارك بكل إجرامه المرشد العام لجماعة الإخوان!.
"سلميتنا أقوى من الرصاص" ، عبارة بدلاً من أن يحتفي بها العالم وبصاحبها، تم تركه ليمثل به متعطش للسلطة، ومشغول بها في منامه ويقظته. والفكرة لدى واشنطن ومن حولها، أنه بهزيمة "الإسلام المعتدل" بقوة السلاح، فإن هذا يفتح الباب لقيادة آمنة للعسكر، وهم الأقدر على تحقيق الاستقرار، والحفاظ على المصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة!.
لقد كان رأيي منذ البداية أن هزيمة تيار الإسلام السياسي لصالح التيار المدني، بالاحتكام لصندوق الانتخابات، أمر وارد، ولكن إزاحة هذا التيار بالقوة، سيكون لحساب التيار الإسلامي الأكثر تطرفاً. وقلت وكتبت: "واتقوا يوماً يفقد فيه الإخوان سيطرتهم على الشارع من فرط المظالم التي تقوم بها سلطة الانقلاب" ، ولم أكن أتصور أن يصل الأمر لقدوم "داعش" .
من أقر بضعفه غفر له ربه، وأنا لا قبل لي بداعش، فأنا لا أملك إلا كلمة، والبغدادي رجل حرب لا رجل كلام، ولهذا أقترح تشكيل مقاومة شعبية يمكن أن تخيفه. وسيكون مفزعاً له لو وجد كتيبة تقودها "لميس الحديدي" ، وتوفيق عكاشة عضو ميمنة، وأحمد موسي عضو ميسرة.
وتبدو المشكلة الآن في الانقلاب العسكري، وبعد الآن حتى لو سقط هذا الانقلاب فإن المواجهة مع الجماعات الإرهابية، لن تنتج أثراً. فبعد الربيع العربي وقدرة الشعوب على الفعل، صار صوت "القاعدة وأخواتها" باهتاً، بل وفقدت خطابات أيمن الظواهري بريقها حتى وهو يهاجم الأمريكيين والإسرائيليين، لكن الانقلاب أعاد الروح لهذه التنظيمات!.
ويا عزيزي عبد الفتاح السيسي قديماً قال العندليب: "اللي شبكنا يخلصنا"!
سليم عزوز