لا أحد يشكر أحدا ......د. هبه رءوف عزت

[Farida]

الصحف المصرية والعربية

https://dostor.org/ar/index.php?optio...2791&Itemid=31

اقتباس لا يشكر أحداً..! د.هبة رءوف عزت أحب قراءة الكتب من مقدماتها، من صفحة الإهداء..والشكر. في الكتب العربية هناك أحياناً إهداء، لكن لا تجد شكراً لأحد. أستمتع جداً بقراءة الشكر في مفتتح الكتب الأجنبية. تعرف منه شبكة علاقات الكاتب والأهم من ذلك شبكة المؤسسات التي تدعمه. طالما قلت للطلاب في الجامعة حين تمسك بكتاب فاقرأ الشكر قبل الفهرس. ستجد كتباً عن العالم العربي كاتبها يشكر جامعة بن جوريون علي المنحة البحثية التي قدمتها له، ومركز الدراسات اليهودية بجامعة أوكسفورد علي تسهيل قراءة وثائق في مكتبة المركز والجامعة وتحية لمتحف الهولوكوست .علي بركة الله ابدأ القراءة وأنت مطمئن مقدماً للنتيجة: عالم عربي من العصر الحجري وإسلام من عصر ما قبل الإنسان الأول، وديمقراطية إسرائيلية تنير ظلام المنطقة المتخلفة ! يلفتني أيضا كيف يذكر كاتبٌ ما أن أفكار الكتاب تبلورت عبر حوارات مع زملاء وأصدقاء، ثم يضع قائمة لا تقل عن عشرين اسماً، وقد يقول كاتب آخر إن الفكرة المركزية تبلورت وهو يمشي علي شاطيء البحيرة مع زميل حين انبثقت رؤية من الحوار أعادت تشكيل تصوره للقضية برمتها. عندنا: لا أحد يشكر أحدًا. لا أحد يتحاور لتطوير الأفكار، ولا أحد يمشي علي الكورنيش وقت الغسق متحاوراً مع صديق، مفتشاً عن فكرة. نحن أصحاب مذهب: كل لأفكار بنات أفكاري والقرار قراري وأدام الله استقراري. لا أحد يبحث عن مرآة لأفكاره في عقل الآخرين ولا أحد يبالي بأن يشكر من ساعدوه في صياغة معمار ثقافته..لا الكبار الذين علموه ولا الصغار الذين ساعدوه. ويأسرني أن أقرأ لكاتب أنه يشكر فلاناً، فتكتشف أن فلاناً هذا هو خصمه الفكري، ويمضي مؤكداً أن حواراتهما كانت مثمرة، بل قرأت مرة لكاتب من أنصار المذهب الفردي يشكر مفكراً آخر هو من رواد المذهب الجماعي؛ لأنه قرأ نصه وهو مسودة وزوده بملاحظات مفيدة ساعدته علي شحذ حججه وضبطها! والأجمل أن يذكر كاتب أو أستاذ أنه استفاد من طلابه في السنوات الدراسية كذا في جامعة كذا الذين درسوا معه مادة كذا؛ لأن نقاشاته في المحاضرة معهم أغنته بالعديد من زوايا الرؤية للموضوع. هذا نسيج من العقول يثري بعضها بعضاً ويطور بعضها بعضاً في تبادل خصب للرؤي. ونسأل لماذا تقدم الغرب وتخلفنا؟ الإجابة بسيطة: تعاون وتضافر وتشارك وإنصاف ودعم للعلم والبحث العلمي من دول أدركت أن العقل مفتاح النهضة وأن الجامعة منصة الانطلاق للمستقبل. عندنا الجامعة مسارات متوازية؛ كل أستاذ مسار وحده، لا مشاركة ولا تعاضد، من علم شيئاً أخفاه واستأثر به، رغم أن العلم هو رأس المال الذي لو وزعته..زاد وزَكَي. في الحياة العامة تلقي البعض ممن تحقق لهم النجاح، يحدثونك عن كفاحهم، ومسيرتهم، ولا يذكرون فضل أحد، لا أم ولا زوجة ولا صديق. فالأم في الغالب سيدة بسيطة ربته لكنها لم تصنع نجاحه، والزوجة-كالعادة-مستهلك لمنافع النجاح، الكلام عنها سلبي أو علي أقل تقدير محايد، خاصة لو كان الشخص مثقفاً فيتحدث عن أن زوجته لا تفهمه وأنها طيبة وأميرة لكن أفقها محدود وليست مثقفة! أما الأصدقاء فمجرد ديكور في المشهد، نادرا ما يفرط أحد في ذكر أفضالهم. لا أحد يشكر أحداً. وفي ساحة السياسة يخرج علينا الرئيس فيذكر إنجازاته، ويعدد مناقب ذاته، ويتحدث بصيغة الـ«أنا»، هناك ذهب وقال لهم، وهنا تابع وأمرهم، مؤكداً أنه لن يترك الكرسي مادام فيه عرق ينبض.ولا يشكر أحدا..بل نحن الذين يجب أن نشكره ونحتفي بعيد ميلاده، بل يكتب رئيس تحرير «صحيفة قومية» عبارة بالغة البلاغة وعميقة البغاغة يقول فيها إن من حقنا علي الرئيس أن يقبل تهانينا بعيد ميلاده!(وكأن قراراً جمهورياً كاد يصدر برفض قبول التهاني!). هنا المشهد مختلف : علي الكل أن يشكر ..واحدا-يشكر هذا الذي.. لا يشكر أحدا. في الشارع يتربص الناس ببعضهم البعض، تسمع الشتائم، يتراشق بها سائقو السيارات والضجيج يصم الآذان، والمشاة يلعنون سائقو الميكروباصات والأمهات يصرخن في الصبيان والبنات. لا أحد يرحم أحدا، ولا أحد يشكر أحدا. علي الساحة الإقليمية تري المناوشات، هذا مستعصم بسيادته وذاك مسترشد بقبيلته، وإذا خاصم أحدهم أحدا.. فَجَر؛ وانحط في الهجوم وقطع كل حبال الوصل وأرغد وأزبد، .لا أحد ينصف أحدا ولا أحد يُكبر أحدا ، الكل في ساحة الحكم.. فراعين، وفي إدارة أمور أوطانهم كالثعابين ، وبين يدي عدوهم ..مضطربين.. مساكين. لا أحد ينصر أحدا..ولا أحد يذكر لأحد معروفاً وقت الأزمة أو يحترم بعد مرورها الآخر علي حسن الإدارة وتجاوز المرارة.لا أحد يشكر أحدا. بين التيارات السياسية تشاتم وخيانات وثارات، لا أحد ينصت لما يقوله الآخر..تتكرر المقولات ونشاهد نفس المسلسل من التنازع ونجتر التصريحات والتهديدات، ووقت الانتخابات هناك تحزبات وتحالفات ومناوشات ، لا يوجد ائتلاف استمر ولا وفاق وطني استقر.كلٌّ يمشي علي رأسه. لا أحد يسمع أحدا. ونتحدث عن نهضة..ونتطلع لصحوة..وننظر لبعيد. البداية: أن نري ونسمع ونشكر ونذكر ونتأدب. بداية الطريق: رحمة..ومكارم أخلاق..وإنصاف..وأمانة..واعتراف بالفضل..وتفكير بصيغة الجمع. قد تشكر أمم الناس.. ولا تشكر الله.. ونحن لا شكرنا الله؛ فأقمنا العدل بيننا وتعاونا علي البر والتقوي ..ولا شكرنا الناس؛ فاعترفنا بالفضل لأصحابه وأعطينا دفة القارب لأهل العلم وأربابه. عملة أهل الثقة طردت عملة أهل الكفاءة من السوق..وطفح السوء. فاعملوا آل مصر شكراً..وقليل منا الشكور

 

[RMG]

شكرا
شكرا للدكتورة فريدة على هذا المقال القيم