فى تشريح الهزيمة – عن حرب 1967 وما تلاها ... (ملف) - منتديات المطاريد
بسم الله الرحمن الرحيم
وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَٰهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَٰهٌ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84) وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85) "الزخرف"

منتديات المطاريد | الهجرة الى كندا | الهجرة الى استراليا

 


DeenOnDemand


BBC NEWS

    آخر 10 مشاركات
    تعديل اسم التسجيل
    (الكاتـب : Clinical chemist ) (آخر مشاركة : Calvinses)
    ذكرى من أكتوبر
    (الكاتـب : blue bird ) (آخر مشاركة : Calvinses)

    Arabic Discussion Forum with a Special Interest in Travel and Immigration

    Immigration to Canada, Australia, and New Zealand

    Egypt and Middle East Politics, History and Economy

    Jobs in Saudi Arabia, USA, Canada, Australia, and New Zealand

    العودة   منتديات المطاريد > تاريخ مصر والعالم > تاريخ مصر > تاريخ مصر الحديث

    تاريخ مصر الحديث شاهد على العصر ... بقلم د. يحي الشاعر

    تاريخ مصر الحديث

    فى تشريح الهزيمة – عن حرب 1967 وما تلاها ... (ملف)


    الهجرة إلى كندا والولايات المتحدة واستراليا

    مواقع هامة وإعلانات نصية

    إضافة رد
     
    أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
    قديم 4th June 2016, 02:15 PM م الغزالى غير متواجد حالياً
      رقم المشاركة : 1
    Colonel
     





    م الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond repute

    افتراضي فى تشريح الهزيمة – عن حرب 1967 وما تلاها ... (ملف)

    أنا : م الغزالى






    من أفضل ما كُتب عن هزيمة 1967
    ----------------------------
    الكاتب هو خالد منصور وهو كاتب مصري عمل بالصحافة وبالأمم المتحدة في السودان وجنوب أفريقيا والولايات المتحدة ووسط آسيا والشرق الأوسط، وشغل منصب المدير التنفيذي للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية (ظ¢ظ*ظ،ظ£-ظ¢ظ*ظ،ظ¥) ويكتب سلسلة مقالات عن حرب يونيو ظ،ظ©ظ¦ظ§ بمناسبة الذكرى ظ¤ظ¨ لها.

    -----------------------
    تمهيد:

    منذ حوالي عشرين عاما، وأنا مشغول بفهم هزيمة مصر في حرب يونيو 1967، وبدأ إهتمامي في 1996 عندما بدأت وثائق الحكومات الأمريكية والبريطانية وغيرها، المتعلقة بهذه الحرب في الظهور بعد انقضاء مدة الثلاثين عاما التي يتم الحفاظ فيها على سرية معظم المستندات الرسمية في الدول الغربية.

    زرت الأرشيف الامريكي، ونسخت المستندات المتاحة للجمهور، وقرأت كتبا عديدة استفادت من هذه الثروة المعلوماتية، مع الأخذ في الاعتبار مصدر المعلومات ومصالحه ومقارنة الأرشيفات ببعضها البعض وكتب المذكرات التي أصدرها قادة عسكريون من الدول المعنية (عدد قليل منها كتبه مصريون وتفتقر اغلبيتها الساحقة للتوثيق وعدد هائل من الكتب الإسرائيلية – ولا كتب سورية بالطبع) وكتب أصدرها أكاديميون وباحثون معظمهم غربيون.

    ويقلل تعبير “النكسة” الشائع من هوّل ما حدث وآثاره الكارثية على ملايين البشر الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين والمصريين وغيرهم لعشرات السنين التالية على هذه الهزيمة الساحقة التي ألحقتها إسرائيل بجيوش مصر وسوريا والأدرن في ستة أيام.

    الاعتراف بالهزيمة التي تحل ذكرها الـ 47 خلال أسابيع، ومحاولة فهم أسباب وتعقيدات هذه الحرب، وما أدى إليها أمر مهم قد يساعدنا في فهم تحديات سياسية هائلة في مصر وسوريا ودول عربية أخرى. مازالت هذه الدول وسياساتها تعاني من تأثير إسرائيلي واضح بغض النظر عما إذا كانت في حالة سلم أم حرب معها، وإن كانت معظم سياسات الدول العربية قد حولتها إلى حليف فعلي – إن لم يكن رسميا – لإسرائيل.

    مازالت المؤسسات الأمنية والعسكرية التي سارت بنا بثقة وغرور وفساد لنيران هذه الهزيمة، تسيطر على معظم دول المنطقة، وسارت بنا لحربين في الخليج وثالثة تدور الآن نهاية بتفكك دول وانهيار مجتمعات.
    الخطأ في الحسابات والتقديرات أمر كامن في بنية هذه النظم المهترئة، وليس صدفة، ففي غياب الديمقراطية والمحاسبة والمساءلة والقدرة على مناقشة القضايا علنا دون حساسيات مزعومة واعتبارات أمن قومي غامضة، ستظل الهزيمة ترسم حياتنا اليومية في بلاد تتمزق مثل سوريا أو تنهار خدماتها ومستويات صحة وتعليم شعبها بسرعة مرعبة مثل مصر.

    مازالت عديد من الآليات السياسية والاجتماعية التي أدت لهذه الهزيمة المروّعة قائمة بأشكال مختلفة في مصر وغيرها.

    قبل أن اجلس لكتابة هذا المقال مثلا، شاهدت خبيرا أمنيا ومسئولا سابقا في جهاز المخابرات يرسم ابتسامة العارف والمحتقر، وهو يتلقى السؤال الذي جاء على الهاتف من مواطنة متلهفة على الأمن والاستقرار، اعتقدت المواطنة لوهلة أن هذا التوك شو الهستيري قد يطمئنها قليلا.. سألت المشاهدة عن دور إسرائيل في مشاكلنا؟ فرد الخبير أن هذه أمور لم نكن نحب الحديث فيها علنا وكثيرا، بسبب معاهدة السلام، لكن يجب ألا ننسى كتاب بروتوكولات حكماء صهيون والمخطط الغربي لتفتيت المنطقة المرتبط به، ثم صمت وقال بغموض: لكن هذه أمور لا ينبغى الحديث فيها علنا!
    والمصيبة ليس في أن هذا الرجل – بغض النظر عن إيمانه بالمؤامرة اليهودية المزعومة من عدمه- يقودنا إلى فراغ وهزيمة قبل أن تبدأ الحرب ويفسر كل انهيار ومشكلة بمؤامرة خارجية، بل الأهم أنه أعمى عن وجود مؤامرات فعلية ومخططات ربما تفصيلية ومعلومات كثير منها علنية كان يمكن للنظر فيها أن يوفر رؤية أكثر واقعية وصدقا لما يحدث حولنا في العالم، يمكن بعدها اتخاذ مواقف وقرارات قائمة على معلومات أوضح وأدق. وهذا الرجل الذي مازال يستعمل رتبته العسكرية في مداخلاته الإعلامية شاهدت وسمعت وقرأت لأمثاله في أسفاري وعملي في العراق وسوريا والسودان ومصر وغيرها من البلدان المحكومة بنظم مهترئة يعرف فيها الخبير الكاذب أنه يكذب، لكن لا يهم لأن المصلحة الوطنية وفقا لفهمه تقتضي هذا الكذب، ويظل الخبير يكذب حتى ينسى أنه يكذب وحتى يفترض الكذب، أو التآمر، في كل متحدث آخر.

    هذا الرجل لا يختلف كثيرا عن الرجال الذين سادوا أروقة الحكم وأجهزة الأمن في مصر في الستينيات ورسموا طريقنا إلى الهزيمة المرّة.. لا قدرية هناك أو مصير لا فكاك منه في الدول والمجتمعات.. مصر عندما غيرت مؤسساتها الطريقة التي تعمل بها ولمدة قصيرة، كانت قادرة على تحقيق اختراق تاريخي في حرب 1973، وعندما فاض الكيل بشعبها، خرجت وأجبرت النظام على عزل رأسه في ثورة 2011.



    --------------------------
    (1)

    وقعت عدة تحولات رئيسية في العقد الفاصل بين حربي 1956 و1967.. في هذا السنوات توالت التحديات المباشرة للمصالح الأمريكية والرأسمالية فى المنطقة.. ظهرت الشروخ في صيغة الاستقرار والتعايش الهشة في لبنان، وسقط العرش الهاشمي في العراق، وبالتالي انهارت ترتيبات أمنية كان الغرب يرتكن عليها لضمان استقرار أنظمة موالية في المنطقة وخاصة في إيران والخليج، ولمنع السوفييت من دخول المنطقة الغنية بالنفط، ودخلت موسكو عدة عواصم مؤثرة أبرزها القاهرة وبغداد، تمدها بالسلاح والدعم السياسي في المحافل الدولية والمعونات الاقتصادية، وحاول الثوريون الجدد في العراق غزو إمارة الكويت وضمها، وانزلقت مصر دون جاهزية لمحاولة القضاء على نظام الإمامة الرجعي المتهالك في اليمن في مواجهة رد فعل سعودي/أمريكي عنيف.

    وعلى هذه الخلفية ومن نتاج هذه التقلبات، يمكن الآن أن ننظر إلى الشهر السابق على حرب يونيو 1967.. لقد وقعت ثلاثة تحولات رئيسية لتتصاعد الأحداث وصولاإلى الحرب:

    أولا: في نهاية شهر أبريل وبدايات شهر مايو، تواترت تقارير عن حشد إسرائيل قواتها على حدود سوريا من أجل ضربها، ودفع هذا المنعطف إلى التصعيد من جانب مصر، تكرارا لما قامت به في ازمة يناير – مارس 1960 عندما حشدت قواتها على الحدود مع إسرائيل لتخفيف الضغط على الجبهة السورية، وبغض النظر عن صحة هذه التقارير روسية المنشأ (على سبيل المثال الفريق فوزي قام بطلعة جوية فوق الحدود السورية، ولم يلاحظ أي استعدادات إسرائيلية غير عادية) فقد تعامل معها الجميع بجدية وتدافعت الأحداث إلى درجة صارت معه الحشود الإسرائيلية فى حد ذاتها أمرا غير مهم.

    ثانيا: قرار الرئيس جمال عبد الناصر إغلاق خليج العقبة في وجه الملاحة الإسرائيلية، وهو السبب المباشر للحرب والخطأ التكتيكي المذهل الذي أدى إلى انهيار إستراتيجي شامل فيما بعد.
    ثالثا: قرار إسرائيل شن حرب هجومية على العرب عوضا عن الاقتصار على رد فعل محدود على قرار غلق خليج العقبة.
    بدأ العد التنازلي للحرب في 23 مايو 1967.

    في هذا الصباح، أبلغت إذاعة القاهرة الشعب المصري بإغلاق مضايق تيران المؤدية إلى خليج العقبة أمام الملاحة الإسرائيلية، ويعنى الإعلان خنق موارد إسرائيل من السلاح والنفط. فقد صار من المتعين على السفن التى تحمل النفط لإسرائيل من إيران – والتي كانت ساعتها تزود إسرائيل بقرابة سبعين في المائة من احتياجاتها النفطية – أن تلف حول رأس الرجاء الصالح لأنها في نفس الوقت ممنوعة من العبور في قناة السويس المصرية.

    لم يفاجأ الإعلان الأمريكيين أو حلفائهم الإقليميين في إسرائيل، حيث كانوا يخططون طوال الأربعة والعشرين ساعة السابقة على البث الإذاعي في كيفية التصرف ورد الفعل.

    أعلن القرار للمرة الأولى في اجتماع عقده الرئيس عبد الناصر في مطار أبو صوير في سيناء يوم 22 مايو، حيث توجه على متن طائرة عسكرية إلى القاعدة، وهناك استقبله المشير عبد الحكيم عامر وقادة الأسلحة المختلفة، وفى استراحة المطار أمام عدد من الطيارين أعلن غلق خليج العقبة في وجه أي سفن تنقل بضائع إستراتيجية لإسرائيل، وعرفت تل أبيب وواشنطن، ورغم بعض التوقع، إلا أنه كان هناك قدر لا بأس به من الدهشة لأن القرار المصري منح إسرائيل سلاحا سياسيا ودبلوماسيا قويا.. كان القرار بمثابة إعلان حرب.

    لم يكن القرار سهلا وتم اتخاذه بعد جدل شديد في أعلى دوائر صنع القرار المصرية.. اتفق الجميع تقريبا أن القرار يعني إعلان الحرب على إسرائيل، ومنح الدولة العبرية ذريعة كانت تنتظرها منذ وقت (يمكن مراجعة وقائع الاجتماع الحاسم الذي عقده عبد الناصر وساهم في اتخاذ هذا القرار في كتاب هيكل “حرب الثلاثين عاما: الانفجار 1967″ ص. 514-517).
    أكاد اجزم أنه لو كان هناك برلمان حقيقي يصدق على قرار الحرب وإعلام حر ومهني يغطي آداءنا العسكري وقدراتنا العسكرية في حرب اليمن، لما اضطر عبد الناصر – أو فكر جديا- في اتخاذ هذا القرار.

    يتبع:
    كيف نظرت إسرائيل والولايات المتحدة إلى القرار وتعاملت معه؟ وكيف استعدت القوات المسلحة المصرية؟

     

    الموضوع الأصلي : فى تشريح الهزيمة – عن حرب 1967 وما تلاها ... (ملف)     -||-     المصدر : منتديات المطاريد     -||-     الكاتب : م الغزالى

     

     


     
    رد مع اقتباس


    Latest Threads By This Member
    Thread Forum Last Poster Replies Views Last Post
    ماذا لو كل العرب اختفوا جميعا ً؟؟؟؟ منقوووووووووووولات NazeeH 3 1499 7th January 2017 03:18 AM
    شهيد تونس وفلسطين محمد الزوارى ! شرفاء هذا الوطن محمد علي عامر 8 3605 17th December 2016 06:04 PM
    حلب ...عار العرب والمسلمين السنة !!! شؤون عربية ودولية NazeeH 26 2033 13th December 2016 02:30 PM
    عن Brexit و تبعاته !!! مال وأعمال حشيش 3 1015 19th July 2016 01:21 PM
    !!! ما يصحــــــــــش... موضوعات عامة ... موضوعات خفيفة ... منوعات مهاجرة - كندا 7 1651 18th July 2016 05:36 PM

    قديم 4th June 2016, 02:21 PM م الغزالى غير متواجد حالياً
      رقم المشاركة : 2
    م الغزالى
    Colonel
     





    م الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond repute

    افتراضي

    أنا : م الغزالى





    في تشريح الهزيمة – عن حرب ١٩٦٧ وما تلاها
    (2).. بين الحسابات الخاطئة والمعلومات المضللة

    ادعيت في مقال سابق أنه لو كان هناك برلمان حقيقي في مصر، أو إعلام حر ومهني، ربما ما اندفع عبد الناصر في قراره بإغلاق مضايق تيران، وهو القرار الذي أدى فعليا لحرب 1967 وهزيمة مرة تجرعتها في أيام بل في ساعات جيوش مصر وسوريا والأردن، خصوصا وأن قرار عبد الناصر جاء عقب إعلان إسرائيلي أنها ستعتبر إغلاق خليج العقبة في وجه السفن المتجهة لإسرائيل بمثابة “إعلان حرب” ضدها.

    البرلمان الحقيقي يعني مناقشة مفتوحة لأوضاع البلد، تعبر فيها تيارات مختلفة عن وجهات نظرها وانحيازاتها، بينما يقدم الإعلام المهني الحر الواقع من وجهات نظر مختلفة “بموضوعية” قدر الإمكان.. البرلمان الحقيقي والإعلام الحر مظاهر لوجود عمل سياسي في البلاد، يحميها من الوقوع تدريجيا أسيرة لنظرة ضيقة محدودة لشلة صغيرة من البشر مهما كانت نواياهم حسنة.

    ولو نظرنا جيدا في تطورات الأيام العشر المصيرية (13-23 مايو) والسابقة على القرار المؤسف بإغلاق المضايق، لتبيّن لنا لماذا أصر على ادعائي هذا. ولا يعني هذا أن الدول الديمقراطية لا تخطيء في حساباتها، بل تخطيء بدورها، لكنها تراجع حساباتها فيما بعد وتحاسب المخطئين، على الأقل في كتب التاريخ.

    في كتابه “يو ثانت في نيويورك” يقتبس رمسيس ناصيف (مصري عمل متحدثا صحفيا للأمين العام للأمم المتحدة) عن الدكتور محمود فوزي، الذي كان نائبا لرئيس الوزراء للشؤون الخارجية أثناء الحرب، قولته الشهيرة التي تلخص حرب الأيام الستة: “حسابات فادحة الخطأ بناء على معلومات مضللة.”
    كانت المعلومات المضللة وسبب الحرب المباشر تقريرا سوفيتيا أن إسرائيل تحشد قواتها ضد سوريا توطئة لحرب وشيكة.
    أما الحسابات الخاطئة، فقام بها ناصر والمشير عبد الحكيم عامر والفريق شمس بدران وعدد آخر من الجنرالات، كانوا كلهم مدفوعين بتحليل عام للموقف لوّنه فهم أيديولوجي فج وتحليل سطحي لواقع الحرب الباردة ولإمكانيات عدوهم الشرس ولمصالح بلادهم الوطنية ولقدرات وتطلعات ما كانوا يسمونه بالأمة العربية.. هذه التحليلات القائمة على حسابات خاطئة ومعلومات مضللة كانت تعمي أعينهم عن رؤية توازنات القوة، بينما كان إنفرادهم المطلق بالسلطة يمنعهم من التحلي بالحرص الواجب المتفق مع إمكانيات بلادهم دون التخلي عن مبادئهم العامة.

    ولنكرس هذا المقال للحديث عن احد الاسباب المباشرة للحرب وهو التقرير السوفيتي عن الحشود الاسرائيلية.
    في الشهور السابقة على الهزيمة، ادعت دمشق مرارا أن هناك حشود إسرائيلية على حدودها عقب تهديدات إسرائيلية علنية بالرد على عمليات فدائية فلسطينية جاءت عبر هذه الحدود، لكن مصر لم تكن تصدق السوريين ووزير دفاعهم حافظ الأسد حتى يوم 13 مايو المشهود، عندما وصل تقرير سوفيتي لمصر عن طريق عدة مصادر.

    (١) في القاهرة في اجتماع بين السفير السوفيتي ديميتري بوجيداييف وأحمد حسن الفقي وكيل وزارة الخارجية بناء على طلب الأول، نقل السفير رسالة من موسكو تفّصل حجم ونوع قوات إسرائيلية تحتشد قرب حدود سوريا، وفي كلمة لعبد الناصر بعدها بعشر أيام أشار الزعيم إلى “تقارير مؤكدة ومفصلة حول وجود 11-13 لواء إسرائيلي منقسمة بين جنوب وشمال بحيرة طبرية”. كان الفقي قد أرسل تقريرا مفصلا لمكتب سامي شرف، سكرتير الرئيس للمعلومات، فور نهاية اجتماعه مع بوجيداييف.
    (٢) وفي نفس اليوم كان السادات، رئيس مجلس الشعب آنذاك، عائدا من كوريا الشمالية عن طريق موسكو، فالتقاه في المطار نائب وزير الخارجية فلاديمير سيميونوف، ويضيف السادات في كتابه “البحث عن الذات” أن سيميونوف ورئيس الدولة الروسي نيكولاي بودجورني أكدا له أن هناك عشرة ألوية إسرائيلية تحتشد على الحدود السورية، وفي منتصف نفس الليلة وصل السادات لبيت عبد الناصر وكان المشير عبد الحكيم عامر، نائب القائد العام للجيش هناك، حيث ناقشوا كيفية الرد على “التهديد” الإسرائيلي.
    (٣) في نفس اليوم “وفقا لهيكل في كتاب الانفجار ص 445″، قام مندوب المخابرات السوفيتية في القاهرة ويدعى سيرجي”ووظيفته الرسمية مستشار بالسفارة السوفيتية بالقاهرة” بإبلاغ صلاح نصر رئيس المخابرات العامة أن هناك 11 لواء إسرائيليا على الحدود مع سوريا.

    أخذ عبد الناصر وعامر والسادات التقرير السوفيتي بجدية لا تتناسب مع ظروف وملابسات نقله، بل ومع المعلومات التي توفرت لديهم في اليومين التاليين.
    الأرشيف السوفيتي – وفقا لريتشارد باركر في كتابه “سياسات الحسابات الخطأ في الشرق الاوسط”- لا يحوي أي معلومات عن لقاء بوجيداييف بالفقي، كما أن سيميونوف الذي تحدث للسادات في موسكو كان مشهورا وسط زملائه بأنه لا يقرأ تقارير المخابرات بدقة ويجتزئها. ويثير هذا الشبهات حول سبب قيام السوفييت بإثارة مخاوف مصر بهذه الطريقة عبر ثلاث قنوات (السادات والخارجية والمخابرات). بودجورني في لقائه مع السادات أكد سريعا على أن الاتحاد السوفيتي سيساعد سوريا، ثم نقل الحوار “فجأة” – على حد تعبير هيكل- إلى مشاريع التنقيب عن النفط في مصر (ليس بسلوك رجل يخشى من حرب وشيكة)، وأكد أشرف غربال (كان حاضرا لاجتماع الفقي في الخارجية) أنه والوزير رياض، لم يأخذا التحذير بجدية لأنه لم تكن هناك أدلة على وجود الحشود الإسرائيلية.

    الأرشيف السوفيتي مثل المصري، ليس مفتوحا، لكن ربما أفضل من المصري الذي لا نعرف إذا كان قائما أم اختفى أم لم يوجد أصلا! ورغم مرور 47 عاما على حرب يونيو، لم يقدم أي طرف أي إثبات على وجود هذه الحشود، بل إن السوفييت نفسهم (وورثتهم الروس) يتنصلون من هذا الموضوع في المقابلات مع الباحثين!

    لكن يمكنا بسهولة تنحية كل هذا جانبا، لأن الفريق محمد فوزي رئيس أركان الجيش المصري، قام بنفسه بزيارة سوريا يوم 14 مايو، وزار الجبهة واستجوب ضباطا سوريين وتفحص في صور جوية التقطتها طائرات سورية للجانب الإسرائيلي في اليومين السابقين ولم يجد شيئا مريبا هناك.

    قدم فوزي تقريره للقيادة (أي لعامر في 15 مايو)، لكن المشير عامر أنطلق في طريقه منذ صباح ١٥ مايو، وقرر حشد قوات عسكرية في سيناء، مؤكدا لناصر أن الإسرائيليين هكذا سيفكرون مرتين قبل الإقدام على غزو سوريا! وقد فكر الإسرائيليون مرتين حقا، وقرروا غزو مصر وسوريا والأردن، لكن ليس قبل أن ترتكب مصر مزيدا من الأخطاء لتقدم نفسها بسهولة لوحش مفترس وقاتل محترف كان حليفه الأمريكي يقترب منه أكثر فأكثر فأكثر.

    الأرشيفان الأمريكي والإسرائيلي ينفيان وجود مثل هذه الحشود المزعومة، وفي برقية أرسلها المستشار العسكري الأمريكي لين بلاش لواشنطن، أكد عدم وجود أي حشود حتى ٢٣ مايو وحشود بسيطة بعد ذلك. حتى السوفييت أنفسهم، مصدر التقرير، طالبوا بالتهدئة في لقاء رئيس الوزراء اليكسي كوسيجين مع وزير الحربية المصري شمس بدران “الذي كان مشغولا في نصف الستينيات الأول بدعم مركزه داخل النظام الحاكم وإدارة السجن الحربي ومكافحة مؤامرات الإخوان الحقيقية والمزعومة بدلا من بناء الجيش وسياسات الحرب”.

    طالب كوسيجين بدران الذي زار موسكو من 24 إلى 28 مايو بتهدئة الأوضاع قائلا إن مصر حصلت على نصر سياسي ويجب الآن التهدئة.

    هناك عدة كتب تخصص فصولا بأكملها لفهم وتحديد مصدر التقرير السوفيتي، وينتهي عدد منها إلى أن السوفييت، إما اخترعوا الحكاية كلها كوسيلة للضغط الديبلوماسي لإخراج مصر من اليمن أو تقريب مصر وسوريا، بينما ينتهي عدد آخر من الدراسات إلى أن التقرير الأصلي كان خطأ، ثم تاه الخطأ في أضابير البيروقراطية والتمسك بالتقرير الأصلي حتى إن السفير السوفيتي ديميتري شوفاخين رفض عرضا من رئيس الوزراء الإسرائيلي ليفي اشكول في ١١ مايو أن يقوم ممثل للسفارة بزيارة منطقة الحدود، حيث يستحيل إخفاء من ١١-١٣ لواء من الحشود العسكرية (وهي حوالي أربعين ألف جندي أو نصف القوات التي خاضت بها إسرائيل حرب يونيو) دون أن يتبينها أي زائر، ودون أن تشعر البلاد كلها بهذه الحشود الضخمة لدولة صغيرة جغرافيا، لكن شوفاخين رفض قائلا إن التقرير السوفيتي وارد من موسكو، وليس من اللائق إثارة الشكوك بشأن مصداقيته! وأكد نائب وزير الخارجية السوفيتية سيميونوف للسادات بدوره أن موسكو “لديها من الوسائل ما يمكنها من معرفة الحقيقة دون أن تضطر لزيارة الموقع الفعلي لتأكيدها.”!

    وفور أن قررت مصر – أي عبد الناصر – أن تصدق التقرير السوفيتي، قامت بالتحرك وتوالت الأخطاء في الحسابات والتقديرات في الأيام الثمانية التالية.

    في ١٥ مايو، اجتمع عامر مع قادة الجيش، وقرر إرسال تعزيزات عسكرية لسيناء، وعرف العالم في يومين أن مصر تحشد قواتها. وخلال أيام طلبت القاهرة سحب قوات المراقبة التابعة للأمم المتحدة المنتشرة على الحدود مع إسرائيل.

    والمذهل أن عبد الناصر كان قد طلب من عامر أن ينص الخطاب المرسل للجنرال أيه ريكي قائد قوات المراقبة، أن يتم إعادة نشر القوات إلى الحدود الدولية (أي لداخل غزة التي كانت مصر تسيطر عليها آنذاك) بدلا من النص في المسودة التي كتبها عامر على طلب “سحب كل القوات”، لكن عامر تجاهل أو تقاعس أو أخطأ وأرسل الخطاب الأصلي دون التعديل الذي طلبه ناصر.

    ويقول ريكي في مذكراته إن سحب القوات تماما، لم يكن له سوى معنى واحد، وهو أن مصر قررت خوض الحرب، وكانت هذه بالضبط الإشارة التي وصلت لإسرائيل، ثم تأكدت خلال أيام عندما أعلنت مصر إغلاق مضايق تيران رغم التحذير الإسرائيلي أن هذا سيكون بمثابة إعلان للحرب.

    هل كانت مصر ترغب فعلا في الحرب، أم أن المشير عامر كان أسير اعتقاده أن “التهويش” سيرعب إسرائيل ويجبرها على سحب قواتها المفترضة من على حدود سوريا؟ كان المشير في الأغلب يسعى لتخويف إسرائيل وأثبتت الأيام التالية خطأه المرعب.

    يتحمل عامر وناصر هذا الخطأ التاريخي مشتركين، لكن – كما قلت – لو كان هناك شركاء آخرين في ميدان السياسة في البلاد “برلمان أو إعلام أو قضاء أو منظمات أهلية وأحزاب سياسية”، لكان عامر على الأقل قد اختفى بمصائبه من على مسرح السياسة بعد أخطائه الفادحة في حرب ١٩٥٦ وفي إدارة الوحدة مع سوريا وفشله في حرب اليمن، لكن في ظل حكم مؤسسة أخرجت الشعب بأكمله من مجال السياسة، وقررت الحديث باسمه وتمثيله، فإن الفشل في أحيان كثيرة ليس اختيارا، بل قدرا شبه محتوم، خاصة إذا انتقلت هذه المؤسسة القائمة على الاعتبارات الأمنية والولاء والطاعة من إدارة ميادين القتال للتحكم المنفرد في ميادين السياسة.

     

     


     
    رد مع اقتباس

    قديم 4th June 2016, 02:27 PM م الغزالى غير متواجد حالياً
      رقم المشاركة : 3
    م الغزالى
    Colonel
     





    م الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond repute

    افتراضي

    أنا : م الغزالى





    في تشريح الهزيمة.. حرب 1967 وما تلاها

    (3).. بين واشنطن وتل أبيب والقاهرة: العالم من زوايا مختلفة

    من النظريات المسيطرة على تفكيرنا إزاء هزيمة مصر في حرب 1967 مع إسرائيل، هي أن مصر وقعت ضحية مكيدة تفصيلية مدبرة، وهذا ببساطة تفكير أسطوري لا يقوم عليه دليل.. يعطل ويمنع تحليل هذه الهزيمة بما يسمح بمعرفة أسبابها وملابساتها والنظر في أساليب منع تكرارها، ولعل تولي المؤسسة العسكرية حكم البلاد مباشرة في مصر منذ منتصف ظ¢ظ*ظ،ظ£، بعد فشل الإخوان المسلمين في السيطرة على الدولة، يجعل من أي تحليل مدقق لهذه الهزيمة، التي وقعت منذ ظ¤ظ¨ سنة، ومازالت آثارها معنا، مساهمة في نقد وتحليل واقعنا الحاضر.
    أفضل نسخة وأكثرها اتقانا من هذه المقاربة التي ترى الهزيمة بشكل أساسي بمثابة نتاج مؤامرة خارجية تفصيلية، هي ما يقدمه محمد حسنين هيكل في 1100 صفحة من القطع المتوسط في كتاب “الانفجار” الصادر عام 1990.

    ويدعم هيكل كتابة بخمسة وأربعين مستندا تشمل محاضر اجتماعات وخطابات وتقارير من وزارات الحربية والخارجية والرئاسة المصرية، إضافة لكونه شاهد عيان ومشارك في اجتماعات طويلة مع عبد الناصر. ويرى هيكل أن عبد الناصر كان ضحية مؤامرة ضخمة قادتها إسرائيل والولايات المتحدة منذ أواخر الخمسينيات، وكانت ذروتها حرب 67، وأن أضلاع المؤامرة الثلاثة ومخططيها في الولايات المتحدة كانوا من تجار السلاح وعملاء المخابرات وشركات البترول، وانضمت إسرائيل لهم، ثم تشكّل ما يسميه هيكل “الحكومة السرية” بقيادة مستشار الأمن القومي والت روستو، وذراعه اليمين رجل المخابرات روبرت كومر. وكان هدف المؤامرة – وفقا لهيكل – هو تدمير الثورة المصرية وناصر، لأنهم وقفوا في طريق مخططات واشنطن ومصالحها في المنطقة.

    المشكلة الرئيسية في نظرية هيكل المفصلة المحبوكة، والتي توفر ببساطتها معاناة كثيرة في محاولة فهم تعقيدات الواقع من زوايا مختلفة، أنها لا تستند على أي أدلة قوية أو معتبرة، بل مجرد قرائن واستنتاجات ومغالطات منطقية لإثبات نوايا وسياسات أمريكية.. شذرات من هنا وهناك وإشارة إلى تحقيقات دون مصادرها -أحيانا – أو مصادر دون اسمائها أحيانا أخرى، أو وقائع دون مصادر، ثم القفزة اللغوية البارعة إلى استنتاجات واسعة.

    يعتمد هيكل بشكل رئيسي في نظريته على ما يسميه “التحقيق الذي أجراه وليام مويرز المستشار الخاص للرئيس جونسون عن موضوع الحكومة الخفية في الولايات المتحدة” (الانفجار، هامش ص 102)، وكان مويرز في الحقيقة السكرتير الصحفي لجونسون ولعامين فقط من 1965 إلى 1967، والتحقيق الذي يشير له هيكل هو ليس تحقيقا قضائيا، بل كتاب أصدره مويرز في عام 1988 بناء على فيلم تسجيلي أشرف عليه لصالح القناة العامة المموّلة من الحكومة بى بي اس في عام 1987 ومويرز وغيره من المعلقين الأمريكيين لعل أهمهم نعوم تشومسكي كتبوا كثيرا وتفصيليا عن المجمع الصناعي العسكري الذي يؤثر على شؤون السياسة في واشنطن وعن علاقة هذا المجمع بإسرائيل، لكن التأثير يختلف عن السيطرة، والقرائن ليست أدلة.

    كانت واشنطن تريد تأمين إمدادات النفط الخليجي عموما والسعودي والإيراني خصوصا، بما يعنيه هذا من دعم استقرار أنظمة ضعيفة الشرعية تعتمد على الشراسة الأمنية، وشراء الولاءات في طهران والرياض على الترتيب.

    كانت واشنطن تريد بشكل أساسي الحيلولة دون وقوع حرب إسرائيلية عربية أخرى، ولم تكن الولايات المتحدة وهي ترث بريطانيا وفرنسا في المنطقة عقب الحرب العالمية الثانية تريد أن تلعب دور الاستعماري القديم، بل تريد حكومات متعاونة تقرر سياساتها الوطنية طالما ظلت –عموما- في معسكرها، وليست في المعسكر السوفييتي، وطالما لم تكن سياساتها تثير اضطرابا قد يعرقل إمدادات النفط. ومن هذا المنطلق كانت واشنطن تخشى مما تفعله مصر في اليمن قرب السعودية، وتنزعج من الخطب الحماسية البلاغية الصادحة من إذاعة صوت العرب من القاهرة ضد الملكيات الرجعية في عمان والرياض، ومن تصاعد وتيرة العمليات الفدائية الفلسطينية، وتحاول إيجاد حلول تتفق مع مخططاتها للهيمنة على المنطقة واستغلالها.

    لم تكن سياسة واشنطن الخارجية تتبنى قواعد الإنصاف والعدل، بل مثل أي دولة أخرى كانت تسعى خلف مصالحها وبوضوح، ومن ناحيتها كانت القاهرة مدفوعة في الستينيات بإيمانها أن واشنطن تريد تغيير النظام والقضاء على ناصر، حتى مع علمها بمحدوديتها العسكرية واعتمادها على القمح الأمريكي -أو السوفييتي- وعلى السلاح السوفييتي – أو التشيكي- لم تتوقف القاهرة عن إصدار تصريحات نارية وتهديدات فارغة.. كانت عاجزة عن تنفيذها فعليا.

    أما من ناحية إسرائيل، فإن الوثائق والكتب المنشورة، تشير إلى أن خطط غزو سوريا والحشود الإسرائيلية المزعومة على حدودها – وفقا للتقرير السوفييتي- لم تكن حقيقية أو دقيقة.. لم يكن لدى إسرائيل – وفق كل المصادر المتاحة والمعتبرة- سوى خطط طوارىء بديلة أو contingency plans وهي خطط تعد لها كل المؤسسات والجيوش والشركات الحديثة لمواجهة الاحتمالات المختلفة.
    كتب كثيرة ومذكرات ووثائق أرشيف تؤكد نوايا إسرائيل العامة العدوانية والتوسعية، لكن هذه النوايا والبلاغيات العدوانية عن إسرائيل الكبرى، لم تكن في مجال التنفيذ في أواخر ظ،ظ©ظ¦ظ¦ وأوائل ظ،ظ©ظ¦ظ§، ولم تكن لدى تل أبيب خطط هجومية حقيقية في تلك الفترة، بل وكان قطاع واسع من ساستها، خصوصا من الحرس القديم بقيادة بن جوريون يسعى بقوة لتفادي أي مواجهة مع مصر، ويظهر ذلك جليا في أحاديثه مع رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إسحق رابين حتى قبل حرب يونيو بأيام – وفقا للمصادر الإسرائيلية- التي يعرضها مايكل اورين في كتابه عن حرب يونيو.

    ……….
    ويمكن الاطلاع على الوثائق الأمريكية الرسمية في مبنى للأرشيف الوطني فى حي كوليدج بارك بالقرب من جامعة ميريلاند على بعد ظ¤ظ* دقيقة بالمواصلات العامة من قلب العاصمة واشنطن.. ملايين البرقيات السرية ومحاضر الاجتماعات والخطابات المرسلة من الديبلوماسيين الأمريكيين وعملاء وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وخبراء وزارة الدفاع الأمريكية وغيرهم.

    الجزء الذي يهمنا – فيما يتعلق بالشرق الأوسط – يوجد في السجل العام رقم ظ¥ظ©، والأرشيف مفتوح لأي شخص يملك وثيقة هوية رسمية (رخصة قيادة، كارنية طلبة، جواز سفر) بغض النظر عن الجنسية، ووفقا للقانون يجب نشر كل الوثائق بعد 25 سنة على الأكثر من صدورها، بعد أن تقوم لجنة رسمية بالنظر فيها وحذف بعض الأجزاء والفقرات بدعوى اعتبارات حماية الأمن القومي الأمريكي، ويظل من حق أي مواطن بمقتضى قانون حرية المعلومات أن يطلب الإفصاح عن هذه الاجزاء المحذوفة أو عن وثائق لم يفرج عنها بعد، بناء على طلب يقدم إلى إدارة حرية المعلومات في كل هيئة حكومية.
    غير أن هذه المسالة تنطوي على عملية قانونية معقدة، وتحتاج – أحيانا- إلى محامين وتستغرق وقتا طويلا، وإن كانت نتائجها في أحيان كثيرة إيجابية للغاية، وإضافة إلى الأرشيف الوطني، فالبحث عن مرحلة حرب ظ،ظ©ظ¦ظ§ وما قبلها وبعدها، تقتضي أيضا زيارات إلى مكتبة الرئيس لندون جونسون في مدينة أوستن بولاية تكساس، إذ تضم مجموعة منتقاة من برقيات الخارجية، إضافة إلى مذكرات البيت الأبيض ومجلس الأمن القومي.

    ولمن لا يستطيع السفر ونفقاته، يمكن ببساطة الدخول على الإنترنت ومطالعة عينة منتقاة من هذه الوثائق في الكتاب السنوي للعلاقات الخارجية للولايات المتحدة، وإليكم – مثلا – اللينك الذي يحمل أهم الوثائق للفترة من ظ،ظ¥ مايو وحتى ظ¤ يونيو ظ،ظ©ظ¦ظ§، والتي تساعد في فهم كيف تعامل قطاع واسع من الحكومة الأمريكية مع نذر هذه الحرب.

    وهناك الأرشيف الإسرائيلي، كما أن هناك عددا هائلا من الكتب الإسرائيلية والأمريكية المتوفرة بالإنجليزية والعبرية، وأهم الكتابات التي ظهرت حول حرب ظ،ظ©ظ¦ظ§ ما قدمه الديبلوماسي الأمريكي السابق ريتشارد باركر “سياسات الحسابات الخاطئة في الشرق الاوسط” ”The Politics of Miscalculation in the Middle East“ by Richard Parker وكتابه الآخر “حرب الايام الستة” ”The Six Day War“، ومن الجانب الاسرائيلي كان كتاب الديبلوماسي السابق مايكل اورين ”ستة أيام من الحرب“ أو ”Six Days of War“ by Michale Oren. ومن الكتب الأكاديمية المهمة، ما نشره إبراهيم ابو لغد وندف صفران بالإنجليزية، ويتضمن كتابا باركر واورين عددا ضخما من المراجع باللغات الانجليزية والعربية والعبرية، كما أن كليهما قام بحوارات مطولة مع قادة عسكريين وسياسيين في كل البلدان المعنية.

    تحتوي قائمة المصادر التي رجع إليها اورن ظ¤ظ¢ كتابا باللغة العبرية تتناول حرب ظ،ظ©ظ¦ظ§، بينما الكتب المصرية الجادة أقل من هذا بكثير، فغير كتاب هيكل، لا توجد كتب جادة يمكن التعامل معها وتمحيصها سوى مذكرات الفريق محمد فوزي، وكتاب عبد المجيد فريد ”من محاضر اجتماعات عبد الناصر العربية والدولية“ وكتاب حرره لطفي الخولي عام ظ،ظ©ظ©ظ§ ونشر فيه مقالات تحليلية لعدد من الكتاب بعنوان ”حرب يونيو ظ،ظ©ظ¦ظ§ بعد ظ£ظ* سنة“ وكتاب ”الجيش والديمقراطية في مصر“ لأحمد عبد الله.

    كتب هيكل إذن مصدر مهم للغاية لما حدث في مصر خلال حكم ناصر ونافذة على طريقة صنع القرار في القاهرة، لكنها أيضا تعرض وجهة نظر رجل سياسة كان داخل المطبخ وكان من صانعي القرار وله مصلحة محققة في رواية معينة للتاريخ.

    ……….
    بعد قرار عبد الحكيم عامر غير المدروس في ظ،ظ¤ مايو بدفع عدة فرق إلى سيناء، تدفقت القوات المصرية وزاد قلق إسرائيل بعد أن انتهى احتفالها بعيد إنشاء الدولة، أو بالنكبة التي لحقت بالعرب في 15 مايو 1948.. كان رابين مترددا بين “ألا نفعل شيئا مما قد يوحي للمصريين أننا لا نعلم بتحركاتهم، أو لا نهتم بها، وساعتها ربما زادهم هذا جرأة على مهاجمتنا، وبين – من الناحية الأخرى- أن نبالغ في رد فعلنا فتتأكد مخاوف العرب أن لدينا نوايا عدوانية حاليا فنساهم ساعتها في إشعال حرب غير مرغوب فيها على الإطلاق” ووافق رئيس الوزراء اشكول على القيام برد فعل محسوب، لكن دون استدعاء الاحتياط، واتفقت تقديرات المخابرات الأمريكية مع التقديرات الإسرائيلية على أن التحركات المصرية العسكرية “استعراضية” ولأجل التهويش، وربما تمت بغرض تخفيف الضغط الإعلامي القادم من السعودية والأردن وسوريا. (“حرب الايام الستة”، مايكل اورين).

    لكن عبد الناصر كان يبالغ في هذه الاستعراضية ويتحدث في خطبه وتصريحاته عن الاستعداد للحرب، وأنها ستكون حربا فاصلة، بينما واصل عامر دفع قواته لداخل سيناء، رغم أنه ما كان ينوي سوى التخويف – في الأغلب – بعد أن دفعه ناصر للتخلي عن خطط هجومية خيالية، وبحلول 16 مايو كانت الفرقة الخامسة قد وصلت إلى سيناء، ثم تلتها فرقتان للمشاة (الثانية والسابعة)، وكانت الفرقة المدرعة السادسة والفرقة الرابعة في الطريق.. كل هذه القوات وقوامها مجتمعة قد يزيد عن سبعين ألف جندي هزت رابين وقادة العسكرية الإسرائيلية، خصوصا بعد أن وصلت قاذفات ومقاتلات مصرية لمطار بئر الثمادة في سيناء.
    وفي 17 مايو قامت طائرتان ميج 21 من سلاح الجو المصري بطلعة استطلاعية فوق مفاعل ديمونة الذري في صحراء النقب، فتذكر الإسرائيليون تهديد عبد الناصر في اجتماع مع الأمريكيين في 1964 بأنه لن يقبل أبدا أن يمتلك الإسرائيليون قنابل ذرية، حتى لو اضطر لشن حرب انتحارية.

    وخلال ساعات رفع الإسرائيليون درجة استعداد الجيش، ووضعوا سلاح الطيران على أهبة الاستعداد، وبحلول 19 مايو قدّرت المخابرات العسكرية الإسرائيلية برئاسة اهارون يارييف أن لدى مصر 80 ألف جندي في سيناء، معهم 550 دبابة وألف مدفع.
    وطالب الأمريكيون إسرائيل – صراحة – بعدم البدء بالهجوم، فتعهد الإسرائيليون بهذا – شرط ألا تقوم مصر بإغلاق مضايق تيران.

    ……….
    وفي الفترة من 15 مايو وحتى إغلاق مضايق تيران في 23 مايو، قام المشير عامر بتعيين عدد من محاسيبه في مناصب عليا في الجيش، ومنهم اللواء عبد المحسن مرتجى (رئيس النادي الاهلي فيما بعد) وهو نفس الرجل الذي استعمله عامر من قبل لضرب الفريق فوزي، وانتزاع بعض صلاحياته، وقال عامر لمرتجى إنه الآن يمكنه أن يصبح رئيس أركانه بدلا من فوزي، ولا حاجة بهم للاتصال بالقيادة العامة! لم يكن عبد الناصر أفضل كثيرا في إدارة علاقاته المعقدة مع الضباط الأحرار، خصوصا مع صديقه عامر، فهو نفسه عيّن فوزي – رغم خبراته الميدانية القليلة – رئيسا للأركان كي يقلل من صلاحيات عامر، ولأن فوزي كان مخلصا لناصر منذ تزاملا في الكلية الحربية!

    كان الفريق فوزي، مندهشا من التطورات المتلاحقة في ضوء أنه قدم تقريرا لعامر يعّرف به ناصر، مفاده أنه لم ير أي حشود إسرائيلية على حدود سوريا، كما أنه اطلع على تقارير رئيس المخابرات العسكرية اللواء محمد أحمد صادق، الذي أكد جواسيسه في إسرائيل عدم وجود مثل هذه الحشود، وقال فوزي في مذكراته، المعنونة “حرب الثلاث سنوات”، إن الحشود الإسرائيلية المدعاة، لم تعد من وجهة نظر عامر السبب الأول أو الرئيسي لحشد ونشر القوات المصرية في سيناء.. كان عامرمثله مثل ناصر وغيره من أفراد الشلة الضيقة الحاكمة، غير مهتمين بالتفاصيل، وغير مستعدين للنظر في البدائل، ومساعدوهم يخافون منهم.. كان عامر وناصر والشلة يعتقدون أنه من غير المهم – في نهاية المطاف – إذا كانت هناك حشود أم لا، وإذا كانت إسرائيل تنوي في مايو 1967 مهاجمة مصر وسوريا أم لا، فهم كانوا يؤمنون – مثلهم مثل السوفييت- أن إسرائيل على أي حال، لديها خطط ونوايا توسعية وأنه يجب قهرها والقضاء عليها عسكريا.
    لم يستثمر ناصر أو عامر الوقت والموارد المطلوبة لخلق جيش كفء في الستينيات، أو بعدما تبين لهم من قدراته الفعلية في ظ،ظ©ظ¥ظ¦ رغم شجاعة وبسالة الجنود، كما انشغل عامر ووزير الحربية شمس بدران ورجل المخابرات العامة صلاح نصر بالصراعات السياسية الداخلية وتعظيم المكاسب المحلية، ولم تكن المعلومات والبيانات المتوافرة عن قوة الجيش الإسرائيلي دقيقة، بل إن صور بعض الأهداف الإسرائيلية في خطة العمليات المصرية، كان ملتقطا في الحرب العالمية الثانية، أي قبل حرب ظ،ظ©ظ¦ظ§ بأكثر من عشرين سنة!

    وأخيرا.. كان عامر منذ أدائه المخزي وانهياره في حرب 1956 يتوق لحرب ينتصر فيها، رغم أنه لم يستعد لهكذا حرب.. متجاهلا تحذيرات الفريق فوزي وقادة آخرين، ادعوا أنهم أبلغوا المشير في عدة اجتماعات أنه لا يمكن أن تكون هناك حرب، لأن الاستعدادات العسكرية في سيناء لم تكتمل.

    ………
    ووفقا للكتاب الإسرائيليين ووثائقهم، فإن رابين ومستشاريه نظروا لتحركات الجيش المصري وتصرفاته – آنذاك- على أنه تنفيذ لخطة “الأسد” التي وضعها عامر، وتقتضي إقامة رأس جسر بري مع الأردن، تفصل بين شمال وجنوب البلاد، وتمنع إسرائيل من استخدام ميناء إيلات. كانت هذه الخطة تتطلب أن تنسحب قوات الطوارىء الدولية التابعة للأمم المتحدة تماما، وأن يتم إغلاق مضايق تيران مع وضع قوات مدفعية مصرية على رأس نصراني المشرفة على المضايق.
    قام عامر بهذه الخطوات واحدة تلو الأخرى، ووافق عليها، وأعلنها ناصر. وفي مذكراتهم التالية، وفي التحقيقات، ألقى عدد من كبار الضباط المصريين بالمسؤولية على عامر، وفي اجتماع مع فوزي ومرتجى والفريق صدقي محمود – قائد الطيران- وفقا لمذكراتهم وأحاديثهم، بعد انتحار عامر، فإنهم حاولوا إثناء المشير عن بعض هذه الإجراءات.

    ……….
    المشكلة الخطيرة في تبني نظريات المؤامرات الكبرى، أنها في نسختها الأردأ كثيرا، والسائدة الآن في سيرك مصر الإعلامي، لا تعني مطلقا بأي توثيق أو مصادر، وتعفي المسؤولين عن الحكم من المحاسبة والمساءلة، وبالتالي تفتح الباب واسعا أمام الترّهات والخرافات لتبرير الأخطاء الفادحة، وتخلق المناخ الملائم للسقوط في النكسات والهزائم.. مرة تلو الأخرى.
    ……….


    المصدر

     

     


     
    رد مع اقتباس

    قديم 4th June 2016, 02:35 PM م الغزالى غير متواجد حالياً
      رقم المشاركة : 4
    م الغزالى
    Colonel
     





    م الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond repute

    افتراضي

    أنا : م الغزالى




    (4)..بين واشنطن والقاهرة: عندما يدفع الضعيف ثمن الحسابات الخاطئة


    منذ ١٩٥٥ وحتى ١٩٦٧ كانت واشنطن لا شك تدعم إسرائيل والسعودية وتتخوف من مصر وسوريا، لكنها لم تكن تؤيد إسرائيل دون قيد ولا شرط، بل إن تسليح إسرائيل وبرنامجها النووي كانا يعتمدان على دعم وأريحية فرنسا قبل أي دولة أخرى.
    لم تصبح واشنطن هي الراعي الأكبر لتل أبيب عسكريا واقتصاديا حتى عام ١٩٦٨، وهناك كتب كثيرة حول تطور العلاقات بين البلدين من روابط تقوم على التقارب الثقافي الديني وضغط الجالية الصهيونية في الولايات المتحدة إلى ارتباطات متينة ومتداخلة على الأصعدة العسكرية والاستخباراتية والإستراتيجية خدمة لمصالح الولايات المتحدة في الحرب الباردة وما بعدها، وربما من أهم هذه الكتب: “اللوبي الإسرائيلي وسياسة أمريكا الخارجية” للمؤلفين ستيفن والت وجون ميرشايمر (١) ، ولمن لا يملك الوقت، فهناك مقال شارك في كتابته بالإنجليزية مع فيليس بينيس حول تطور العلاقات الاستثنائية بين إسرائيل والولايات المتحدة من نشأة إسرائيل وحتى اتفاق أوسلو ويمكن الاطلاع عليها هنا.
    ولا يوجد كاتب منصف يدرس تطور السياسة الخارجية الأمريكية في هذه السنوات، يمكن أن يصف علاقة واشنطن بالقاهرة بالعداء المطلق.. كانت البداية على العكس من الشائع ودية وعلمت السفارة الأمريكية بالقاهرة من الضباط الأحرار بأن هناك تحركا قادما قبل ٢٣ يوليو ١٩٥٢، وكانت هناك محاولات للحصول على سلاح وتمويل، بل وكان الموقف الأمريكي بشكل أساسي هو السبب الحقيقي في اندحار العدوان الفرنسي البريطاني الإسرائيلي في عام ١٩٥٦ عندما كانت واشنطن قد اتخذت القرار بأن زمن الاستعمار المباشر قد ولى، وأنها ستتولي دور المهيمن على المنطقة. لكن العلاقات المصرية الأمريكية فترت بسرعة – ولأسباب عديدة ليس هنا مجال شرحها – وصار حلفاء واشنطن الرئيسيين في المنطقة في طهران وأنقرة وتل أبيب والرياض، وكان اعتراف القاهرة بالصين سببا إضافيا في فتور العلاقات التي كانت واشنطن دائما تنظر لها بمنظار الحرب الباردة، لكن العلاقات لم تصبح عدائية صريحة حتى أوائل ١٩٦٧.
    ولعل وليام بيرنز في كتابه “المساعدات الاقتصادية والسياسة الخارجية الأمريكية تجاه مصر ١٩٥٥-١٩٨١”يلخص المسألة بقوله إنه بين عامي ١٩٥٥ و ١٩٦٧ لم يكن هناك أي توافق داخل الإدارة الأمريكية في الأجهزة التنفيذية أو بينها وبين الكونجرس حول السياسات أو الإجراءات المتعين إتخاذها حيال مصر أو عبد الناصر (٢)، لكن المساعدات الغذائية الحيوية في شكل صفقات تفضيلية استمرت، بل وبعض الأحلام الوهمية لساسة مصريين وأمريكان كانوا يعتقدون أنه بالإمكان التراجع عن حافة العداء.
    وفي مذكرة من مستشار الأمن القومي روستو للرئيس جونسون حول مساعدات واشنطن للقاهرة، قال الرجل قبل حرب يونيو بأربعة أشهر: “يجب أن نواصل بذل الجهود لنتقرب إلى ناصر لنتفادى شق الشرق الأوسط إلى معسكر أمريكي وآخر سوفييتي، لكن ناصر لا يترك لنا سوى خيارات ضئيلة.. لقد وصل إلى حد تحدينا علنا ألا نجدد اتفاقنا معه (لتجديد المساعدات الغذائية)، ووجه لنا انتقادات حادة بشأن فيتنام، ويستمر في إثارة القلاقل في اليمن وجنوب الجزيرة العربية، وعموما فإنه لم يستجب لاقتراحاتك التي ابلغتها للسادات في الشتاء الماضي لمناقشة اختلافاتنا بهدوء والعمل لتشييد علاقات بناءة.” (المذكرة بتاريخ ١٤ فبراير ١٩٦٧ ورقمها في أرشيف مكتبة جونسون الرئاسية CK3100040301)
    لم تكن الولايات المتحدة متجهة لصدام حتمي مع مصر، بل كانت تمد شعرة معاوية وتمارس السياسة الخارجية ترغيبا وترهيبا، واستمرت واشنطن في تقديم صفقات قمح بترتيبات تفضيلية لمصر وصلت إلى ٤.٩ مليون طن بين عامي ١٩٦٠ و ١٩٦٥ بقيمة إجمالية ٧٣١ مليون دولار دفعتها مصر بالجنية المصري دون حاجة لتوفير العملة الصعبة، وكانت القاهرة تعلم أنها معتمدة على القمح الأمريكي الذي كان يتعدى في المتوسط ٨٠ في المائة من الواردات من القمح، ونحو خمسين في المائة من الاستهلاك المحلي.. تكاسلت مصر في تلك الفترة عن إيجاد بدائل أو زيادة الانتاجية المحلية، وتحسبا لنهاية اتفاق السنوات الثلاث خلال شهور طلبت مصر في سبتمبر ١٩٦٤ تجديده لثلاث سنوات أخرى للحصول على قمح بما يعادل ٥٠٠ مليون دولار تدفعها بالجنيه المصري، لكن واشنطن ماطلت في الرد بسبب مواقف ناصر والكونجرس وتطورات سياسية محلية وأزمات غذائية في الهند، بيد أنها لم تضطر لأن تتخذ قرارا نهائيا، إذ سبقها ناصر في مارس ١٩٦٧ وقرر سحب الطلب المصري المقدم لتجديد اتفاقيات القمح التفضيلية، خصوصا أن موسكو كانت قد وافقت على تزويد مصر بعدة شحنات قمح ضخمة، كانت قد استوردتها لاستهلاكها المحلي.
    ولم يكن تفكير جونسون تخفيض شحنات القمح التفضيلية لمصر في ١٩٦٦ نابعا كله من مشاكل العلاقات الثنائية، بل كان أيضا جزء من توجه عام لدى الإدارة الأمريكية آنذاك بخفض استعمال المساعدات الغذائية كآدة في السياسة الخارجية، وجاءت مصر في مقدمة الدول التي تضررت، لأن الإدارة كانت ترى أن مصر لديها أراض خصبة ويمكنها زيادة إنتاج القمح (كما حدث بالفعل بين أعوام ١٩٦٦ و ١٩٧٤) كما أن سياسات ناصر جعلت عداء الكونجرس يتزايد نحو القاهرة المشغولة بمساعدة حركة التحرر الوطني المتهمة بالشيوعية في الكونغو والتورط العسكري في اليمن ضد مصالح الحليف السعودي وحضور الرئيس السوفييتي نيكيتا خروتشييف لافتتاح المرحلة الأولى من بناء السد العالي في مصر.
    كل هذه مؤشرات كانت تجعل أعضاء الكونجرس يعتقدون أن القاهرة قد ارتمت في أحضان موسكو، ولم يكن هذا حقيقيا تماما – أو على الأقل – لم يحدث بشكل درامي حتى منتصف ١٩٦٧ بعد حرب يونيو عندما بدأت موسكو في إرسال خبراء عسكريين وطيارين وأنظمة دفاع جوي وصواريخ لتعيد بناء الجيش المصري. (٣)
    الكرامة لا شك أمر مهم للأفراد وللدول.. رفض الذل ورفع الرأس عاليا ليس فقط موقفا أخلاقيا، لكنه أيضا موقف سياسي ووجودي، وزاد من أهميته كونه جاء لدى دول مثل مصر بعد عقود طويلة من الهوان الاستعماري وإذلال النخب والطبقات الوسطى الوليدة، التي كان عليها أن تخضع أو تناطح مصالح لندن التي لم تتوان عن البطش بمعارضيها وإذلالهم كيفما شاءت، لكن شتان الفارق بين ادعاء رفع الرأس امام الخارج وادعاء عدم الانحياز في الخطب البلاغية، وبين واقع أن البلاد صارت بعد سنوات طويلة من الاستقلال تحصل على سلاحها وغذائها من هذا الخارج، وتقمع أي فرصة للتحول السياسي نحو مشاركة شعبية تدريجية في حكم البلاد، التي بدأ الفساد ينخر في موسساتها وفي نظم صناعة القرار فيها، خصوصا في المؤسسة العسكرية التي كانت – ومازالت – فوق النقد.. شتان الفارق بين مواقف دولية تتحلى بالكرامة وعزة النفس وتصريحات تعاني من الرعونة والشطط، ففي أوج التوتر بين مصر والولايات المتحدة، لم يتورع الرئيس ناصر عن السخرية المرة وإطلاق التهديدات الفارغة التي استعملها أعداء مصر في الكونجرس وواشنطن ضده، ففي خطابه في بورسعيد في 22 ديسمبر 1964، تحدث ناصر عن الولايات المتحدة قائلا: “الذي لا يعجبه سلوكنا يشرب من البحر، والذي لا يكفيه البحر الأبيض يأخذ البحر الأحمر يشربه كمان.” وجاء هذا التصريح غير المبرر في نفس العام الذي استهلكت فيه مصر ٥.٣ مليون طن قمح منها مليوني طن (أو أكثر من ٥٧٪) حصلت عليهما بأسعار تفضيلية من الولايات المتحدة، وجاءت هذه التصريحات بعد أيام قليلة من قيام مظاهرة سار فيها طلاب أفارقة في القاهرة احتجاجا على التدخل الأمريكي في الكونغو، وانتهت المظاهرة بإحراق مكتبة وكالة الإعلام الأمريكية جوار السفارة، مما أثار حنق الأمريكيين بسبب تقاعس قوات الأمن في بلد لم تكن المظاهرات تخرج فيه سوى – على الأغلب- بمباركة أو تساهل الأجهزة الأمنية، وكانت القشة التي قضت على صبر الأمريكان هو حادث وقع في الجو قرب الأسكندرية، عندما أسقطت قوات الدفاع الجوي المصري -على سبيل الخطأ في الأغلب- طائرة أمريكية صغيرة مملوكة لجون ميكوم، وهو رجل أعمال أمريكي وصاحب شركة بترول، والأهم، صديق للرئيس جونسون.
    لتضع نفسك مكان العدو الأمريكي. كيف كنت ستفكر في تحركات وإشارات مصر؟
    مرة أخرى، فإن واشنطن كانت فعلا تسعى لإفشال بعض خطط وسياسات مصر الخارجية التي كانت تناقض مصالحها، لكن الحرب بين مصر وإسرائيل لم تكن حتمية، ولا دليل هناك سوى الخزعبلات المؤامراتية والأحاديث المرسلة عن أي دور أو دعم أمريكي لقيام مثل هذه الحرب. وكان ناصر هدفا ربما لبعض الخطط الأمريكية من أجل إضعافه، وذلك لسبب وجيه، من وجهة نظر الأمريكان، وهو أن ناصر اختزل الدولة في شخصه، وكان الكل يعلم أنه إذا اختفى من على المسرح، فستختفي معظم سياساته وتوجههاته، لأنها ليست توجهات دولة، ولا يعلم أحد مقدار الدعم الشعبي لها. وفي الحقيقة كان هذا ما حدث وأنجزه السادات في وقت قصير بعد وفاة ناصر.
    كان كل هذا يؤطر تفكير الساسة الأمريكيين في الأسابيع الحاسمة السابقة على حرب يونيو.
    ……….
    في رسالة من مساعد وزير الخارجية لشؤون الأمن القومي يوجين روستو (وكان شقيق والت روستو مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض) موجهة إلى سفراء الولايات المتحدة في تل أبيب والقاهرة وموسكو والبعثة الأمريكية في الأمم المتحدة (٤) يستعرض روستو مقابلته مع ايفرون الوزير المفوض في السفارة الإسرائيلية في واشنطن “عقب أن تلقينا بيان ناصر حول إغلاق خليج العقبة”، واكد روستو في الاجتماع لـ ايفرون ما يلى : “١- تم رفع مطالب إسرائيل الاقتصادية والعسكرية إلى الرئيس ليندون جونسون ويمكن توقع رد فعل سريع. ٢- قرر الرئيس جونسون أن يتفادى كل التصريحات العلنية بشان الموقف في الشرق الأوسط. ٣- أرسل الرئيس رسائل شخصية إلى الرئيس ناصر ورئيس الوزراء الإسرائيلى ليفى اشكول ورئيس الدولة السوري نور الدين الاتاسي يناشدهم صون السلام. ٤- أرسلت الحكومة الأمريكية تحذيرا إلى كل الحكومات العربية والاتحاد السوفييتى تجعل فيه من الواضح موقف أمريكا من: – أ- أن تسلل الإرهابيين يعد انتهاكا لاتفاق الهدنة العام.
    -ب- أن هناك حاجة إلى تقليل مستويات حشد القوات العسكرية.
    – ج – ضمان حق العبور الحر فى خليج العقبة.
    هذه وثيقة مهمة، وأهم نقطة هي أن مطالب إسرائيل بالحصول على مزيد من الأسلحة والدعم الاقتصادى نالت الضوء الأخضر الأمريكي عقب إغلاق الخليج، وليس قبله، وبدا أن قرار الرئيس جونسون الاستراتيجى من قبل “بإطلاق إسرائيل من عقالها لمهاجمة حلفاء الاتحاد السوفييتى فى الشرق الأوسط” يتبلور في خيارات فعلية.
    وفي ليلة 22 مايو وقبل أن يصدر الرئيس جونسون رد فعل علنيا، صدر قرار أمريكى بنقل الأسطول السادس إلى شرق المتوسط وضمنه حاملتا الطائرات أمريكا وساراتوجا.
    آلة الحرب كانت فيما يبدو قد بدأت في الدوران، خصوصا مع تصاعد الضغط الأمريكي / اليهودى من أجل موقف حاسم. وقضى جونسون صباح يوم 23 مايو على الهاتف يتحدث مع زعماء المنظمات اليهودية الكبرى، وكان قد بدأ يومه نحو الثامنة صباحا باجتماع على الهاتف مع وزير خارجيته راسك، ثم تحدث في الساعة التالية مع مندوبه في الأمم المتحدة جولدبرج ورئيس جهاز المخابرات السي أي أيه ريتشارد هيلمز ومستشاره للأمن القومي والت روستو (وهو شقيق مساعد وزير الخارجية لشؤون الأمن القومىييوجين روستو، والاثنان من مؤيدي إسرائيل)، وفي الساعة 11.6 مساء بتوقيت واشنطن، خرج جونسون أمام شاشات التلفزيون ليصدر بيانا حاد اللهجة جاء فيه إن قرار مصر إغلاق خليج العقبة لا يتمتع بأى شرعية قانونية، ويهدد السلام، ودعا إلى تدخل الأمم المتحدة.
    علينا أن ننظر إلى تفاعلات كثيرة ساهمت في تطور الحروب العربية الإسرائيلية بعدسات الحرب الباردة إذا أردنا أن نفهم جزء لا يستهان به من عقلية صانعي السياسة الخارجية الأمريكية في تلك الفترة الحرجة. فبرغم أن العلاقات الإسرائيلية الأمريكية في الستينيات استندت في جانب منها إلى النفوذ الأمريكي/اليهودي الموالي لإسرائيل، غير أن جزء آخر من دعامة هذه العلاقات يعود إلى أن إسرائيل كانت أحد أصابع أمريكا في الستينيات في حربها الباردة ضد الاتحاد السوفييتى وحلفائه، وأن دولا عربية كبرى مؤثرة وفي مقدمتها مصر تقاربت مع موسكو وفضلوا تحالفا باردا مع السوفييت رغم ادعاءات عدم الانحياز.. كانت أمريكا متورطة في فيتنام، وليس لديها الوقت للقيام بمهام فعلية على الأرض والانتباه كلية لما يحدث في الشرق الاوسط.. كانت بحاجة لوكلاء وتقدمت إسرائيل لأسباب عديدة لشغل هذا المنصب، بينما تولت السعودية ودول الخليج تدريجيا دور التوابع والمحميات، وشغلت إيران الشاه موقعا في المنتصف.
    ……….
    ونعود إلى صباح نفس اليوم وبالتحديد في الساعة 36.2 صباحا.. أرسل مساعد وزير الخارجية روستو مذكرة إلى مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى لوشيوس باتل وإلى سفيري الولايات المتحدة في موسكو والقاهرة.. (كان باتل حتى شهر مارس سفيرا لبلاده في القاهرة وعلى علاقة طيبة بعبد الناصر، ولم يكن من بين كبار مؤيدي إسرائيل في الإدارة الأمريكية أمثال الأخوين روستو والسفير الأمريكي في الأمم المتحدة جولدبرج).
    وروستو كان يرى – وفقا للمستند الذي يحمل رقم 199745 في الأرشيف الوطني الأمريكي – أن عبد الناصر اتخذ قرار سحب قوات الطوارىء من سيناء وإغلاق خليج العقبة أمام الملاحة الإسرائيلية – في الأغلب – وهو لا يعتزم الحرب، بل للتمويه سياسيا من أجل تحقيق عدة أهداف أو بعضها، وهي:
    “1- دعم هيبة عبد الناصر في العالم العربي عن طريق أن يطلب من دول عربية معينة أن تحذو حذوه في تحدي إسرائيل.
    2 – يقلل من تدهور نفوذ ناصر في المجتمع الدولي، خصوصا وسط دول عدم الانحياز.
    3 – يظهر للولايات المتحدة أنه قادر على إيذاء مصالحها وأنه مازال قوة يعتد بها، على أمل أن مثل هذا الإدراك سيؤدى إلى زيادة المساعدات الأمريكية لمصر.”
    والنقطة الأولى هنا مهمة وصحيحة إلى حد كبير، إذ أن الأنظمة الملكية المتحالفة مع الولايات المتحدة مثل السعودية والأردن من ناحية، والأنظمة الثورية المتشددة من ناحية أخرى مثل سوريا، كانت كلها تزايد على مصر وتتحداها أن تثبت قدرتها على مواجهة العدو الإسرائيلى، ورغم أن أي من هذه الدول لم تكن لديه القدرة – ولا الرغبة فيما يبدو وفقا لمعظم المستندات التاريخية- على الدخول في حرب مع إسرائيل، إلا أن تعارض مصالحهم مع النظام الناصري جعل من المسوغ لهم المبالغة في تهييج الرأي العام في قضايا هم لا يناصرونها في حقيقة الأمر.
    ونعود إلى مذكرة روستو، التي يحلل فيها قرار إغلاق خليج العقبة، حيث يقول بالنص في الصفحة الثانية: “إن إغلاق المضيق يجعل خطر نشوب الحرب أكبر بكثير مما كنا نتوقعه، يثور التساؤل حول ما إذا كان عبد الناصر قد صار أكثر طيشا عن المعتاد أو أنه أكثر اطمئنانا إلى الدعم الروسي”، وبعد ذلك بفقرة يقول: “إن إعلان ناصر غلق خليج العقبة يضيف أبعادا جديدة وشديدة الخطورة إلى موقف متوتر بالفعل في الشرق الأوسط، فالخليج مياه دولية وسفن كل الدول يحق لها العبور فيه.
    أي إجراء يستهدف حرمان هذه السفن من حق العبور الحر، سيجلب عواقب مأساوية.” هل كان عبد الناصر يدرك أن قرار إغلاق خليج العقبة، سيؤدي إلى هذه العواقب المأساوية؟
    لننظر إلى المستند رقم 023452 في محفوظات الأرشيف القومي الأمريكي، ويحمل أصل برقية أرسلها السفير الأمريكي في القاهرة نولتي، إلى وزارة الخارجية، وتضم فحوى اجتماع عقده مع وزير الخارجية المصري محمود رياض لتقديم أوراق اعتماده.
    يقول نولتي: “لقد شددت على أن حكومة الجمهورية العربية المتحدة يجب أن تفهم تماما أن الحكومة الأمريكية سوف تقوم بكل جهد ممكن من أجل تفادي الحرب وإيقافها – إذا اندلعت – وأننا نحث على ضبط النفس مع إسرائيل، لكن مسألة حرية العبور في خليج العقبة، مسألة ذات أهمية بعيدة المدى، وأى انتهاك لهذه الحرية، سيكون ذا عواقب وخيمة، وفي وجهة النظر الأمريكية سيمثل عملا عدوانيا.”
    كانت أمريكا تهدد أن إغلاق خليج العقبة يعد بداية للحرب، وفي نفس الاجتماع، قال نولتي إن الولايات المتحدة تعهدت على مدى الإدارات الأربع السابقة، بأنها ملتزمة “بالعمل من أجل دعم أي إجراءات لمواجهة الأعمال العدائية العلنية أو السرية في الشرق الأدنى.”
    ثم يضيف نولتي في نفس البرقية: “وزير الخارجية رياض قال إن مصر ستوقف أي سفن إسرائيلية وتصادر الشحنات الاستراتيجية من كل الناقلات الأخرى، وأن مصر لن تقوم بأي أعمال عدائية، لكنها ستدافع عن نفسها بحزم ضد أي هجوم. واستخلصنا من هذا أن الولايات المتحدة في حالة مواجهة مباشرة مع مصر.”
    كان توقيت البرقية التاسعة وثمان وأربعين دقيقة صباح يوم 23 مايو.
    ……….
    قررت مصر إغلاق خليج العقبة، والأمين العام للأمم المتحدة يوثانت في طريقه إلى القاهرة في محاولة أخيرة لنزع فتيل التوتر المتزايد بين مصر وإسرائيل بعد قرار مصر سحب كل قوات الطوارىء المنتشرة على الجانب المصري من الحدود مع إسرائيل، وعلم يوثانت بالقرار وهو في الطريق، فأعرب عن دهشته قائلا إن الإعلان يجعل الحرب حتمية.
    كان لدى القاهرة بالفعل – ووفقا لمكاتبات السفير نولتي لوزارته- حجج قانونية تكفي لإغلاق المضايق، بل وطرد القوات الدولية، فوفقا لاتفاق الهدنة في عام 1949، كان يتعين على قوات الطوارىء أن تتمركز على جانبي الحدود، لكن إسرائيل رفضت السماح لها بالانتشار على أراضيها، فانتشرت فقط على الجانب المصري من الحدود.
    وعقب العدوان الثلاثي البريطاني-الفرنسي-الإسرائيلي على مصر في عام 1956 تلقت إسرائيل وعدا وتأكيدات أمريكية في عام 1957 بأنها ستتسمح لها بحرية الملاحة في مضايق تيران، وهي التأكيدات التي طالب وزير الخارجية الإسرائيلي ابا ايبان واشنطن باحترامها في زيارته التي قام بها للولايات المتحدة في 26 مايو عقب ثلاثةأيام من إعلان ناصر حظر مرور السفن الإسرائيلية. ومنذ عام 1949 لم تكن مصر تسيطر على الجانب الغربي من خليج العقبة فحسب، بل على جزيرتين رئيسيتين تخلت عنهما السعودية لمصر.. هما صنافير وتيران اللتان تبعدان قرابة ثلاثة أميال من شرم الشيخ، وبعبارة أخرى كان يستحيل أن تعبر أي سفينة الخليج في طريقها إلى إسرائيل دون أن تراها القوات المصرية بالعين المجردة.
    لقد كان هناك خلاف قانوني دولي عميق حول حرية الملاحة في مضايق تيران، لكن مصر كانت تمتلك حججا قانونية وتاريخية قوية تدعم موقفها، وإن لم تستغل القيادة هذه الحجج على الصعيد الدولي بما يكفى، واكتفت باستعمالها – كالعادة – في الحشد والتعبئة المحليين.
    ……….
    وفي برقية عاجلة إلى كل السفارات الأمريكية خارج البلاد، شدد مساعد وزير الخارجية لوشيوس باتل على أن الولايات المتحدة “سنسعى من خلال الأمم المتحدة والقنوات الأخرى لتحاشي الأعمال العدائية المباشرة والتي صارت احتمالا حقيقيا ووشيكا” بعد غلق الخليج. وأوصت الخارجية “المواطنين الأمريكيين بتفادى السفر إلى الجمهورية العربية المتحدة وسوريا والأردن وإسرائيل، وعلى المواطنين الأمريكيين الموجودين حاليا في تلك البلدان دون عمل ضروي المغادرة في اقرب فرصة.” (٥)
    كان هذا نداء خطير، ولابد أن الخارجية أو المخابرات المصرية لاحظته آنذاك، وخطورة مثل هذه النداءات أنها تأتى عادة في الأيام القليلة المتبقية على نشوب أعمال عدائية بغية حماية المواطنين الأمريكيين من الخطر.
    وقفت الولايات المتحدة بوضوح ضد قرار إغلاق خليج العقبة، وأعلنت أنه عمل عدائى يصلح مسوغا لإسرائيل للهجوم على مصر، لكن واشنطن لم تقم بأى دور نشط من أجل التوصل إلى مخرج من هذه الورطة سوى مطالبة مصر بالتراجع، وكان من المستحيل على القاهرة أن تتراجع دون ثمن تبرر به هذا التراجع: ثمن تدفعه للشعب المصري الذي تمت تعبئته وتحمل كثيرا ماديا ومعنويا في المواجهة مع إسرائيل، وثمن تدفعه للشعب العربى الذي تعلقت أنظاره بأجهزة الراديو المضبوطة على محطات القاهرة، وثمن تدفعه لتفادي السخرية الحادة والتحقير المتوقع من السعودية والأردن، وثمن تدفعه لدول عدم الانحياز والعالم الثالث التي احتشدت خلف مصر، ولم تقدم لأمريكا أو الاتحاد السوفييتى ما يمكن أن يساعد مصر على دفع بعض هذا الثمن. وبات محتوما على القاهرة أن تواجه تبعات قرارها.
    صار التراجع مستحيلا، واصبحت كل الطرق تؤدي إلى الحرب، فلماذا لم يبدأ عبد الناصر الحرب إذن وترك زمام المبادرة في يد إسرائيل؟ هل هو خطأ فى التقدير؟ خطأ في الاستراتيجية العسكرية؟ نقص في المعلومات؟ أم تدن مريع في قدرات وآداء القيادة العسكرية، عجز عبد الناصر عن إيقافه وإصلاح المؤسسة لأنها هي ذاتها بقيادة عبد الحكيم عامر كانت في اعتقاد عبد الناصر الضامن الرئيسي لبقائه هو ومشروعه الطموح في السلطة؟ عجز ناصر منذ ١٩٥٦ عن إصلاح المؤسسة العسكرية وتغيير قياداتها التي صارت مشغولة بشؤون الحكم والسياسة والمال.. عجز عن تغيير وضع لابد أنه كان يعرف ببعض تجلياته الكارثية – وفقا لكتب بعض من عملوا قربه في هذه الفترة- وقف عبد الناصر عاجزا عن التغيير، وذلك بعد قمع منظم ومنهجي صار معه الشعب أيضا عاجزا عن التغيير. وهذا هو العجز المركب الذي مازلنا جميعا ندفع ثمنه في المنطقة حتى اليوم.
    ……….
    مراجع:
    (١) ”John Mearsheimer & Stephen Walt, The Israel Lobby and US Foreign Policy
    (٢) William Burns, Economic Aid and American Policy Towards Egypt 1955-1981
    (٣) (هناك تقرير عن تاريخ المساعدات الغذائية الأمريكية لمصر من وجهة نظر الحكومة الأمريكية بعنوان ”قانون ٤٨٠: حالة مصر” https://pdf.usaid.gov/pdf_docs/Pnaal015.pdf وهناك دراسة لديفيد ستيوارت روبنستاين حول هذه المسألة بعنوان”حياة خاطفة لسياسة الخيط الرفيع: ليندون جونسون وجمال عبد الناصر ونهاية المساعدات الغذائية لمصر” The Brief Life of the Short Tether – Lyndon Johnson, Gamal Abdel Nasser and” the End of Food Aid to Egypt” by David Stewart Rubenstein — https://cspc.nonprofitsoapbox.com/sto...Rubenstein.pdf
    (٤) الوثيقة رقم 199741 في محفوظات الأرشيف القومي الأمريكي ملف “سياسى – عرب – إسرائيل” وارسلت الساعة ١٥ر٢ صباح يوم ٢٣ مايو.
    (٥) الوثيقة رقم 199722 في محفوظات الأرشيف القومي الأمريكي مرسلة الساعة ١٩ر١٠ مساء يوم ٢٢ مايو.
    ………..


    المصدر

     

     


     
    رد مع اقتباس

    قديم 4th June 2016, 02:43 PM م الغزالى غير متواجد حالياً
      رقم المشاركة : 5
    م الغزالى
    Colonel
     





    م الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond repute

    افتراضي

    أنا : م الغزالى




    !For Medical Professionals Only

    (5).. للهزيمة أكثر من أب!


    نخطىء تقييم ما حدث إذا ألقينا بكل المسؤولية في هزيمة مصرالساحقة في ١٩٦٧ على عاتق أفراد مثل الرئيس عبد الناصر، أو نائبه وقائد القوات المسلحة المشير عبد الحكيم عامر، أو كليهما. ونخطىء إذا اعتقدنا أن المسؤولية تقع فقط على عاتق مؤسسات ترهلت أو أُرهقت مثلما كان الجيش المصري بعد سنوات من تورط ثلث قوته في حرب أهلية في اليمن قتلت منه ربما ٢٤ ألف جندي.. جيش عانت خططه وتنظيمه وإعداده من الضعف والتخبط وانشغلت قياداته عن إعادة هيكلته بعد آدائه السيىء في حرب ١٩٥٦ متفرغة أكثر لطموحاتها السياسية والمالية وتعظيم النفوذ. ونخطىء أيضاً، وأخيراً، إذا اعتقدنا أن مساعي الولايات المتحدة لعرقلة طموحات عبد الناصر الإقليمية هي سبب الهزيمة، بعد أن عملت سنوات طويلة كتفا بكتف مع الملكيات المحافظة في الرياض وعمان والعواصم الأخرى المنزعجة مما رأت أنه خطط توسعية وتدخلا في شؤونها تحت ستار القومية العربية من جانب عبد الناصر ومؤيديه متذبذبي المواقف في دمشق وبغداد وعدن.
    كل هذه العوامل (أفراد ومؤسسات وسياسات داخلية واقليمية وخارجية) تداخلت سويا لتصنع هذه الهزيمة التي كان يمكن تفاديها في نهاية حرب خاطفة كان يتعين تجنبها. ويأتي تركيزنا على العوامل الداخلية أكثر في سلسلة المقالات هذه لأنها كانت خاضعة لقرارات وتوجهات القاهرة على عكس آليات الحرب الباردة الكونية التي لم يكن لمصر أن تؤثر فيها كثيرا أو تفضيلات الملكيات المحافظة وخاصة السعودية والأردن في المنطقة العربية.
    ومحاولة فهم هزيمة ٦٧ بهذه الطريقة التي تبحث في كل العوامل تنجيّنا من فخ تصوير عبد الناصر على أنه ديكتاتور وطاغية تسبب بمفرده في حرب خاسرة أو أن المشير عامر منفردا قاد الجيش المصري للنكسة، أو أن هذه الخسارة الفادحة كانت نتيجة طبيعية لضعف أو ترهل المؤسسات المصرية عسكرياً واقتصادياً وإدارياً، أو أن الحرب كانت حتمية وكذلك خسارتها بسبب المؤامرات الإمبريالية الأمريكية والصهيونية الاسرائيلية لاسقاط مشروع القومية العربية.
    كان لهذه الهزيمة أكثر من أب.
    ……….


    لا شك، مع كل هذا، أن عبد الناصر يتحمل مسؤولية أساسية عن الهزيمة، كونه كان قادراً في لحظات متعددة على إيقاف القطار المتسارع نحو كارثة الخامس من يونيو ١٩٦٧.
    لم يكن عبد الناصر ديمقراطياً، ولم يثق أبداً في المشاركة الشعبية المفتوحة وآليات السياسة من أحزاب ونقابات وتجمعات سياسية ومدنية.. لم يتلق الرجل سوى تعليما عسكريا وتولى ابن الطبقة المتوسطة الدنيا السلطة وهو في الرابعة والثلاثين.. كانت أحلامه وتطلعاته مثل معظم شباب جيله تتمحور حول التحرر الوطني والاستقلال عن الاستعمار الإنجليزي، وينظر بسلبية للنخبة السياسية التي عجزت عن إنجاز بناء دولة حديثة وانغمست مع القصر وكبار أصحاب المال والأرض في صراعات مريرة منذ تدخل الإنجليز الخشن في تعيين وزارة الوفد بزعامة مصطفى النحاس في ١٩٤٢. وبقدر عبقريته الاستراتيجية في استغلال التناقضات الدولية بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة حتى عام ١٩٦٥، ارتكب عبد الناصر أخطاء فادحة في تقدير هذه التناقضات وفي فك شفرات استراتيجيات وقدرات موسكو وواشنطن وتل أبيب والرياض، فاستمر في حرب اليمن ثم مكّن إسرائيل، المعلومة نواياها التوسعية حيال الضفة الغربية والقدس على الأقل، من ضربه في حرب بدت أمام المجتمع الدولي أنها جرت نتيجة استفزازات مصر.
    خاصم ناصر السياسة بمعناها المؤسسى وفضل عليها تأمين النظام الحاكم معتقدا أن النظام هو الأدّرى والأعْرَف بمصالح مصر وأمنها القومي. وارتكن النظام السياسي على الجيش وأجهزة الأمن، حيث دارت وتمترست العلاقات الرئيسية للسلطة، فاحتل الضباط المراكز العليا في الحكومة والمؤسسات الاقتصادية حتى إنهم تعاقبوا على كل الوزارات ولسنوات طويلة ما عدا وزارات العدل والإسكان والاقتصاد، وكان معظم العسكريين في مناصب السلطة العليا ضباطا في المخابرات العامة أو المخابرات الحربية (ومنهم علي صبري وسامي شرف وثروت عكاشة وعبد القادر حاتم وأمين هويدي) “الامر الذي انعكس على أسلوبهم في الحكم، حيث اعتمدوا على السرية والإنغلاق والتقارير”. سعى العسكريون لإقامة نموذج للتطور الاجتماعي دون مشاركة من قبل الفئات السياسية المدنية، فانتهى الأمر بأن وقفوا حائلا ضد تفاعل الصراع الاجتماعي كما يحدث الآن بعد أكثر من ستين عاما.(١)
    ……….
    سيطر المشير عامر على الجيش بصورة شبه مطلقة منذ عام ١٩٦٢ وأداره من خلال مجموعة من الضباط الموثوق في ولائهم والمشكوك في كفاءة بعضهم.. لا يعرف أحد لماذا حصل عامر على رتبة المشير وهي رتبة تماثل رتبة الماريشال في الغرب، لم يكن ينبغي أن يحصل عليها رجل لم يخض حربا حقيقية ميدانية وينتصر فيها قائدا لجيوشه مثل ماريشالات من قامة الإنجليزي برنارد مونتجمري أو الألماني ارفين روميل.. لم تتطور معلومات وخبرات عامر العسكرية منذ أوائل الخمسينيات، وفشل في إدارة حرب ٥٦، وأخفق في الحفاظ على الوحدة مع سوريا، لكنه تميز بقدرات فائقة على التآمر ودعم علاقاته مع شبكة واسعة من الضباط بسبب الامتيازات التي أغدقها عليهم.

    استمر عامر نائبا لرئيس الجمهورية وقائدا عاما للقوات المسلحة حتى بعد هزيمة يونيو بعدة أسابيع.. لم يكن سبب بقاء الرجل هو الصداقة المتينة وعلاقات الثقة التي تربطه بعبد الناصر فحسب، بل لأنه صار أقوى من ناصر عسكريا، بل وسياسيا على الصعيد الداخلي، فخلال أعوام طويلة قضاها على رأس السلطة العسكرية تمكن المشير من زرع رجاله في كل المراكز الحساسة في الجيش حتى إنه بعد إبعاده عن مناصبه كان نفوذه ورجاله منتشرين، لدرجة أن إنزال صورته من مراكز رئاسة الوحدات كان قرارا اضطر وزير الحربية الجديد أمين هويدي لتفاديه فترة من الزمن، وفي نفس الوقت نصح عبد الناصر، هويدي بتغيير القادة الموالين لعامر على فترات وبعد استقرار الأوضاع.(٢)

    كان تأمين النظام وتفادي انقلاب عسكري أهم عند القيادة السياسية من الأمن القومي للبلاد ومحاسبة من كلفوها اسوأ وأسرع هزيمة في تاريخها المعاصر. وكان عبد الناصر “يخشى القوات المسلحة، فهي الآداة التي استخدمها في التغييرات الثورية الهائلة التي قام بها منذ قيام الثورة وكان يتحاشى الاصطدام بها حتى لا تصبح آداة في يد غيره لإحداث تغيير غير مرغوب فيه. وحتى بعد الفشل العسكري في ١٩٥٦ امتنعت القيادة العسكرية عن نشر الحقائق والوقائع “خوفا من تقليل المكاسب السياسية الباهرة.” وفي ١٩٦٢ فشل عبد الناصر في إزاحة عامر قليلا عن القيادة المنفردة للجيش و”استمر الصراع الخفي، وتصاعد إلى قمته لدرجة أثرت على صنع القرار وأوجدت مواقف أثرت تأثيرا مباشرا على المعركة نفسها” كما يقول الفريق فوزي، رئيس الأركان آنذاك.. اعترض عامر على قرار تعيينه وزيرا للحربية وتعيين الفريق فوزي رئيسا للأركان يتولى القيادة الفعلية للجيش. واعترض عامر وقدم استقالته وتجمع ضباط مؤيدون له في مركز القيادة العامة في كوبري القبة، فتراجع عبد الناصر مما أدى إلى تعاظم نفوذ عامر على كل شؤون المؤسسة العسكرية مانحا بعض قطاعاتها لوزير الحربية شمس بدران الذي اختاره بنفسه، وجعله مسؤولا أمامه في قلب غريب للنظام المتبع في معظم دول العالم.

    كان مديرو مكتب المشير على التوالي هم صلاح نصر وعباس رضوان وشمس بدران وعلى شفيق صفوت، وصار الأول مديرا للمخابرات العامة والثاني وزيرا للداخلية والثالث وزيرا للحربية. وهكذا صارت المؤسسة العسكرية تعمل من أجل “أمن الثورة أكثر منها قوات مسلحة تجيد القتال الحديث قيادة وتنظيما وتدريبا” كما صارت قيادتها وقيادة أجهزة الأمن كلها تتجمع خيوطها وولاءاتها عند رجل واحد هو المشير عامر.(٣)
    ……….

    يتحمل أشخاص بعينهم مسؤوليات ضخمة لتفسير عملية صناعة القرار في الأيام القليلة السابقة على حرب ١٩٦٧، لكن المؤسسات المعنية بخوض هذه الحرب، خصوصا القوات المسلحة وأجهزة الأمن والمخابرات كانت في حالة متدنية من الكفاءة اخفى حقيقة وضعها واستعداداتها السيئة وجود أهل ثقة على قمة نظامها التراتبي الجامد في ظل نظام سلطوي يطرد، بل يعاقب التفكير المستقل والأفكار المختلفة، ويعتريه الفساد ويقضم أطرافه ببطء.
    كانت عملية اتخاذ القرار في القوات المسلحة المصرية قبل حرب ١٩٦٧ مفرطة في البطء.. تمر بسلسلة موافقات وتصديقات من المستويات العليا للمستويات الأدنى مما يضيع كثيرا من الوقت فلا تصل الأوامر للقوات الأمامية على خطوط المواجهة سوى بعد ضياع وقت ثمين، واعتمد عدد كبير من قيادات الجيش المصري آنذاك في الوصول لمناصبهم والبقاء فيها على الشللية والتقرب من المشير. كل هذا هبط بمهنية وكفاءة القوات المسلحة، وفاقم المشكلة غياب المراقبة من وزير سياسي مستقل مسؤول أمام الرئاسة أو محاسبة برلمانية مستقلة أو مساءلة شعبية.

    يتبع تكملة الجزء الخامس

     

     


     
    رد مع اقتباس

    قديم 4th June 2016, 02:47 PM م الغزالى غير متواجد حالياً
      رقم المشاركة : 6
    م الغزالى
    Colonel
     





    م الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond repute

    افتراضي

    أنا : م الغزالى




    لم تستطع المؤسسة العسكرية في مصر قط أن تقدر الفرق الجوهري بين العداء الصريح بغرض الإضعاف من ناحية والنقد البناء الذي يجب التعامل معه بجدية من ناحية أخرى، ولو كان لدى مصر حد أدنى من آليات المساءلة لما استمر عامر يدعي أنه “يقود أقوى قوة في الشرق الأوسط”، بل ويرد على ناصر باستهانة عقب اجتماع مساء ظ¢ يونيو توقع فيه الرئيس أن تهجم إسرائيل خلال يومين وتفتتح هجومها بضربة جوية ضخمة. رد عامر قائلا إنه يتمنى ألا يكون في وضع موشى ديان وزير الدفاع الإسرائيلي “الذي لابد وأنه يكون الآن حائرا فيما يمكن أن يفعله إزاء قوة الاستعداد المصري”.(ظ¤) وزاد عليه شمس بدران وزير الحربية (وهو أحد محاسيب عامر وعينه المشير بنفسه) فقال لرئيس وزراء الاتحاد السوفيتي اليكسي كوسيجين وفقا لمحاضر المحادثات الرسمية “حتى إذا وجهت إسرائيل جميع قواتها إلى جبهتنا وتركت باقي الجبهات خالية، فنحن مستعدون لإسرائيل ومن هم وراء إسرائيل، فلا يهمنا أمريكا أو غير أمريكا.” وعندما وصل للقاهرة قادما من موسكو قال بدران في اجتماع مجلس الوزراء إنه إذا تدخل الأسطول الأمريكي “فإن قاذفاتنا الجوية تعاونها اللنشات السريعة لقواتنا البحرية يمكنها بسهولة تدمير أكبر حاملة طائرات أمريكية لذلك الاسطول.”(ظ¥)
    ……….
    منذ سيطرة الضباط الأحرار على مقاليد السياسة تماما في عام ظ،ظ©ظ¥ظ¥، لم تُناقش الأمور الخاصة بالقوات المسلحة في مجلس الوزراء (وهو تقليد مستمر حتى الآن في الأغلب) لكن لدقة الموقف في أواخر مايو ظ،ظ©ظ¦ظ§ خُصصت جلسة ليستمع المجلس إلى بيان من وزير الحربية بدران. ويقول أمين هويدي، وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء آنذاك، أنه أبدى القلق خلال الاجتماع من احتمال تدخل الولايات المتحدة بأساطيلها، فرد عليه بدران قائلا: “إذا تدخل الأسطول الأميركي فنحن كفيلون به.”(ظ¦) وأوحى بدران في اجتماعاته أن السوفييت سيدعمون مصر إذا تطلب الأمر. ونتيجة لهذا الإيحاء الذي لم يتحقق في أيام الحرب الفعلية، نشأت بين عدد من كبار قادة القوات المسلحة والمقربين لعامر نظرية مؤامرة مفادها أن الاتحاد السوفيتي ورط مصر في الحرب كي يجعلها معتمدة عليه تماما. وهذا ما يدعيه اللواء عبد الحليم الدغيدي المسؤول عن القوات الجوية في سيناء في مذكراته التي نشرها في جريدة الأيام في الأسكندرية في يونيو ويوليو ظ،ظ©ظ¨ظ¨ (ونقلها محمد الجوادي في كتابه “الطريق إلى النكسة”). ومثل الفريق عبد المحسن مرتجي، قائد القوات البرية، وآخرين ركزوا في مذكراتهم على لوّم أشخاص بعينهم بدلا من النظر إلى المشاكل الهيكلية السياسية والاقتصادية التي كبلت المؤسسة العسكرية، قال الدغيدي إن السبب الأساسي في هزيمة ظ،ظ©ظ¦ظ§ هو مؤامرة “قررها الروس للقضاء على القوات المسلحة وأسلحتها حتى تركع مصر وتستجديهم لطلب السلاح وتزداد فقرا فوق فقرها حتى تسري الشيوعية في دمائها.” (ظ§)
    وتعود هذه النظريات إلى كتيب من ظ¤ظ* صفحة وضعه الجنرال الإنجليزي/الأردني جلوب باشا بعد حرب ظ،ظ©ظ¦ظ§ ألقى فيه باللوم على الاتحاد السوفيتي زاعما أنه تواطىء وتسبب في هزيمة العرب كي يقعوا تماما في أحضان موسكو، وصدق عدد كبير من العسكريين المصريين هذه النظرية التي لا دليل عليها. وتعاني مذكرات الصف الثاني من القادة من حالة عميقة من التشويش والادعاءات الواسعة الفضفاضة دون شهود أو مستندات، ثم القفز نحو استنتاجات غير منطقية تداعب الشعور المفضل في المنطقة في وجه الفشل المتزايد في مقاومة القوة الباطشة من جانب قوى الاستعمار وإسرائيل وهو الشعور بالمظلومية وعدم النظر في مسؤولية القائمين على السلطة والحكم، عن المشاركة في تردي إوضاع بلادهم وفشلها في مقاومة العدوان.(ظ¨)

    ……….
    ولقلة عدد المسؤولين المؤثرين فعلا على القرار السياسي والعسكري في مصر وانشغالهم بالنظر للعالم من وجهة نظر تآمرية فات عليهم جميعا إشارات كانت واضحة لم يحللوها أو حللها بعض مستشاريهم، لكن آرائهم أُهملت.
    في الأيام العشرة السابقة على الحرب دأب الاتحاد السوفيتي على نصح مصر بألا تنزلق نحو الحرب، لكن القادة المصريين كانوا يسمعون شيئا ثم يفهمون ويكررون لزملائهم ولرؤسائهم شيئا آخر. حدث هذا مثلا خلال زيارة بدران إلى الاتحاد السوفيتي (ظ¢ظ¥-ظ¢ظ§ مايو) عندما اجتمع مع رئيس الوزراء كوسيجين ووزير الخارجية آندريه جروميكو والدفاع آندريه جريتشكو ونائب وزير الخارجية فلاديمير سيميونيف. عاد وزير الحربية بعد الاجتماع إلى القاهرة وتباهى أمام مجلس الوزراء بالدعم السوفيتي المطلق ولكن قراءة سريعة لمحضر اجتماعه مع كوسيجين وجروميكو يشير إلى العكس، وبالنص يقول كوسيجين بعد أن استمع لمرافعة حماسية بعض الشىء من بدران: “من الناحية السياسية انتصرتم ومن الناحية العسكرية انتصرتم. ماذا تريدون الآن؟ رأيي من الممكن الاكتفاء بما وصلتم إليه.. من الأفضل وضع البرنامج السياسي والخطوات اللازمة في المستقبل حتى لا تدخلوا في المعركة العسكرية.. أفضل النقاش على المائدة بدلا من المعركة الحربية، فهذا في مصلحتكم، وإذا قبلتم هذه الفكرة فإننا بذلك تكون أفكارنا متطابقة، لكن إذا كان لديكم وجهة نظر مخالفة أرجو إبلاغنا.. (عدم قيام الحرب) في مصلحتكم.”بوضوح كان كوسيجين يطلب من مصر عدم التورط في حرب والتراجع نحو مائدة مفاوضات لتقرير مستقبل الملاحة في مضايق تيران، لكن بدران وغيره كانوا يبلغون رؤسائهم ومرؤوسيهم رسائل مختلفة.(ظ©)

    ……….
    كان تدخل الجيش في السياسية وعدم وجود رجل سياسة على رأس المؤسسة العسكرية مشكلتين عويصتين أدتا إلى إضعاف مهنية وحيادية الجيش، وفي نفس الوقت أبعدته تماما عن المساءلة والحساب السياسي وجعلته دولة داخل الدولة.
    فمثلا انتقد الفريق فوزي أسلوب عامر في إدارة الجيش وإدخاله في أعمال الأمن والسيطرة على الفئات السياسية المعارضة، ثم مكافأة الموالين عن طريق منحهم شقق توفرها الحكومة وسيارات مدنية وامتيازات أخرى وزيادة رواتب الضباط والجنود مما أدى إلى انتشار السلبية بين ضباط الجيش وعوقب أي تذمر أو اختلاف في الرأي عن طريق الطرد والمحاكمات السرية والإحالة للمعاش من غير الطريق التأديبي وتفشى الخوف والسلبية بين أفراد القوات المسلحة مع تصاعد أهمية الولاء الشخصي للمشير ومجموعته.
    وانمحى الفارق بين الحرب النفسية ضد العدو وبين أن يكذب القادة العسكريون على شعوبهم وجيوشهم حتى صدق بعض الضباط هذه الأكاذيب حول الجاهزية العسكرية وقدرات التصنيع الحربية المحلية. وعلى سبيل المثال، أنشأ عبد الناصر وزارة للإنتاج الحربي وبرزت فكرة تصنيع صواريخ بعيدة المدى وطائرات مقاتلة حديثة انشأت لها مصانع وميادين تجريبية وأُطلق على الصواريخ أسماء القاهر والظافر والرائد، وبدأ تصنيع محرك طائرة مقاتلة، لكن رغم كل هذه المجهودات ومحاولات الخبراء الألمان وصرف مبالغ كبيرة، لم تتعد هذه الصواريخ مرحلة المرور السنوي بهياكلها الفارغة، بل والخشبية أحيانا، في الاستعراضات السنوية العسكرية، وفشلت كل هذه المشاريع فشلا ذريعا.(ظ،ظ*)
    تضاربت خطط القوات المسلحة، بينما كانت قدراتها القتالية على الانتشار السريع وتنفيذ الخطط متدنيا للغاية بسبب ضعف مستوياتها التدريبية. كانت هناك على الاقل أربع خطط عندما بدأ حشد القوات المصرية في سيناء في ظ،ظ¥ مايو ظ،ظ©ظ¦ظ§: الخطة “قاهر” للقوات التابعة للمنطقة الشرقية والخطة “فهد” للقوات الجوية ثم الخطة “فجر” لعزل جنوب إسرائيل عن ميناء إيلات، ثم الخطة “سهم” لقطع الطريق على القوات الإسرائيلية بين رفح وغزة، ولم تكن كل هذه الخطط والاستراتيجيات سوى “حبر على ورق .. ودوائر على ورق خرائط وشفافات” إذ لم تكن هناك إمكانيات لتنفيذها. ولم تكن هناك معلومات دقيقة عن العدو، بل إن “المحاولة الوحيدة للحصول على معلومات بالتصوير الجوي التي نفذت قبل الحرب كانت نتيجتها صورة التقطتها طائرة استطلاع لميناء العقبة العربي الأردني بدلا من ميناء إيلات المطلوب تصويره.” (ظ،ظ،)
    ولم يهتم القادة بتدريب وحدات الجيش في مناورات فعلية، ولم تقم القوات المسلحة بمناورات للجنود منذ مناورة ظ،ظ©ظ¥ظ¤ في طريق مصر أسكندرية الصحراوي. وفي فترة عام امتدت بين سنتي ظ،ظ©ظ¦ظ¥ و ظ،ظ©ظ¦ظ¦، لم تزد نسبة استهلاك وقود التدريب عن ظ¢رظ¥ ظھ للبنزين المخصص و ظ،رظ¢ ظھ للسولار و ظ£رظ، ظھ للكيروسين، بينما استهلك باقي الوقود في أغراض الشؤون الإدارية، ولم تستهلك قوات المشاة أكثر من ظ¢ظ¦ظھ من الذخيرة المخصصة للتدريب، ولم تزد نسبة أسلحة المدرعات عن ظ،ظ¥ظھ والمدفعية عن ظ،ظ¨ظھ. ويعني هذا مثلا أن كل دبابة في الجيش لم تطلق سوى طلقة واحدة في تلك الفترة بغرض التدريب، ولم يتم تدريب أي لواء مكتمل في الجيش في أعوام ظ¦ظ¥ و ظ¦ظ¦ و ظ،ظ©ظ¦ظ§ وكانت تقارير ضرب النار تُزيف أحيانا، كما كانت تقارير متابعة التدريب التي ترفع إلى المشير مضللة لتظهر مجهود القائمين على التدريب.
    ورغم كل هذا، ادعت هيئة تدريب القوات المسلحة في بيانها عن هذه الفترة أن القوات البرية حققت “خلال عام التدريب كافة المهام التي كلفت بها داخل وخارج الجمهورية بروح عالية وتصميم أكيد، ومعظم أوجه النقص العام الماضي لها ظروفها الموضوعية، وفي مجموعها لا تؤثر على الكفاءة القتالية للقوات.”
    ورغم أن القوات المسلحة أصدرت ظ،ظ§ظ¨ أمر استدعاء وتعبئة للحرب بين منتصف مايو والخامس من يونيو، فإن النقص في قوات الجيش صبيحة المعركة زاد عن ظ£ظ£ في المئة من العدد المطلوب، فمن بين ظ،ظ¢ظ* ألف جندي احتياطي استجاب ظ¨ظ* ألف فقط لنداء التعبئة وتخلف ظ¤ظ* ألف، وفي نفس الفترة (أي أسبوعين ونصف) تم تغيير ظ،ظ¢ قائد فرقة ولواء واستحداث ظ،ظ¥ قيادة جديدة تعبوية وتكتيكية وإدارية و“يدل ذلك على مقدار التخبط الذي كان يسيطر على كل شىء في إدارة العمليات.” ولم تتغير كل الأمور سريعا بعد الهزيمة، بل إن اللواء المسؤول عن خطة التعبئة التي فشلت وجرى تنفيذها بطريقة “دفعت بالكثيرين إلى الحدود بجلاليبهم وبالمعدات غير الصالحة أو التي لا حاجة لها إلى شرق القناة ظل في موقعه منذ حرب ظ،ظ©ظ¥ظ¦ وكان هناك في موقعه حتى أواخر ظ،ظ©ظ¦ظ§ عاجزا عن إرسال مزيد من الضباط المتكدسين في القيادة العامة بمدينة نصر إلى الضفة الغربية من القناة، حيث كان قائد الجبهة اللواء أحمد إسماعيل يشكو مر الشكوى من نقص الضباط!” (ظ،ظ¢)
    وكانت هناك أوجه نقص مروّعة في القوات الجوية بخصوص الحماية والأفراد، فلم تكن هناك دشم للطائرات لحمايتها من القصف بدعوى عدم توافر الميزانية رغم أن القيادة الجديدة للجيش بعد الهزيمة أنشأت ظ،ظ*ظ* دشمة خلال ثلاثة أشهر فقط بتكلفة خمسة آلاف جنيه للدشمة، وهو مبلغ بسيط لميزانية القوات المسلحة آنذاك، وحتى يوم الهزيمة كانت هناك عشرات الطائرات في الصناديق، وكان عدد الطائرات يتعدى عدد الطيارين بخمسين في المائة على الأقل، وهو عكس الوضع المعتاد في الجيوش الأخرى (طياران لكل طيارة) وكانت فترة تجهيز الطائرة للقيام بطلعة جوية ظ¤ظ¥ دقيقة لعدم توفر التدريب والتجهيزات، بينما كانت المدة اللازمة لذلك في القوات الجوية الإسرائيلية لا تتجاوز ظ¨ دقائق. وفي اجتماع مع القيادات العسكرية في ظ¢ يونيو قال عبد الناصر إنه يعتقد أن الحرب ستقع خلال ظ¤ظ¨ إلى ظ§ظ¢ ساعة (أو بين ظ£ إلى ظ¥ يونيو) معتقدا أن الهدف الأول سيكون القوات الجوية المصرية، فرد عليه الفريق محمود صدقي أن كل شىء محسوب وأن الخسائر لن تتعدى عشرة في المئة (وردت سيرة هذا الاجتماع في كتاب أنور السادات “البحث عن الذات” وعبد الله إمام “عبد الناصر: كيف حكم مصر”، بينما قال الفريق فوزي في كتابه “حرب الثلاث سنوات” إن الفريق صدقي أكد أن الخسائر قد تصل إلى عشرين في المائة، وسيؤدي هذا لتكسييح القوات الجوية – واستعمل تعبير crippling باللغة الانجليزية).
    وتضاربت القيادة واتضح الضعف المريع لقدرات المشير عامر في مجال الاستراتيجية وترتيب الأولويات، بينما كان وزير الحربية، المسؤول أمامه، مشغولا بتأمين النظام من أي تململ بين أفراد الجيش والعمل على مسائل الأمن الداخلي مثل قضية الإخوان المسلمين والاعتقالات الكبرى في صفوفهم بسبب مؤامرة مزعومة عام ظ،ظ©ظ¦ظ¥، ولم يكن لرئيس الأركان الفريق فوزي سوى صلاحيات محدودة ونزعت منه قيادة القوات البرية التي مُنحت للفريق مرتجى، صديق عامر. ونتيجة لهذا كله “لم توجد أي أجهزة حقيقية تخطط وتتابع التطور المطلوب لرفع كفاءة وقدرة القوات المسلحة، وحتى بدأ القتال مع إسرائيل لم تكن للقوات المسلحة قيادة موحدة، ووصلت الحالة إلى درجة أن قيادات القوات المسلحة وقيادات المناطق والاتجاهات والمحاور اعتادت ألا تنفذ أمرا ما إلا إذا شاهدت توقيع المشير شخصيا في شؤون العمليات والتدريب أو إمضاء شمس بدران في الشؤون الأخرى لهذه القوات، وكانت كل القوات تعمل منفردة دون وجود أي تنسيق أو تعاون مشترك بينها.” وهكذا كان هناك عشرات الآلاف من الجنود المحتشدين والمعبئين في سيناء في أواخر مايو وأوائل يونيو دون أن تعلم الوحدات والتشكيلات واجباتها بالضبط أو تتسلم مهام قتالية محددة، وتحديدا كان هناك عشرة آلاف ضابط و ظ،ظ£ظ* ألف جندي منهم ظ¨ظ* ألف من قوات الاحتياط.

    ……….
    ركز عبد الناصر على الإعداد السياسي لعمل عسكري كان في أفضل الأحوال غير واضح المقاصد.. لم يكن عبد الناصر، ولا عامر ولا القيادة العامة، وفقا للوثائق والمذكرات المتوافرة، ينوي شن هجوم إستباقي.. كانت الخطة قاهر خطة دفاعية بالأساس تقوم على امتصاص الهجمات الجوية والبرية الأولى من جانب إسرائيل. وكان الغرض الأساسي من كل هذه الحشود المحمومة والإجراءات الدرامية كما يتضح قليلا من اجتماعات عبد الناصر ومراسلاته مع الملك حسين والسوفييت والأمين العام للأمم المتحدة يوثانت ومسؤولين أمريكيين وفرنسيين، هو ردع إسرائيل عن شن هجوم على سوريا.
    نشط عبد الناصر مع مستشاره الرئيسي للشؤون الخارجية محمود فوزي على صعيد الاتصالات مع الولايات المتحدة والأمم المتحدة وأوروبا وبعض دول المعسكر الشرقي، بينما نشط سفراء مصر في موسكو وواشنطن ولندن وباريس وبلجراد وعمان. وتولي ناصر الاتصالات عندما احتاج الأمر للضغط على مستويات عليا مثل خطاب أرسله للرئيس اليوغسلافي جوزيف بروز تيتو لفتح المجال الجوي سريعا أمام طائرات شحن عسكري سوفيتي متجهة للقاهرة أو للضغط على الحكومة السوفيتية للتسريع بإرسال الشحنات أو إعادة ترتيب العلاقات مع الملك حسين ومحاولة تحييد السعودية وضمان دعم عسكري من العراق.
    لم يعمل عبد الناصر بأي شكل واضح من أجل التأكد من مدى وعمق الاستعدادات العسكرية المصرية، ولم يسع في معظم اتصالاته الديبلوماسية لبحث خيار التهدئة بعد أن ردع بوضوح أي خطط إسرائيلية، لو كانت موجودة أصلا، للهجوم على سوريا بنهاية شهر مايو وخلال أسبوعين فقط من التقارير الأولية المزعومة حول الحشود الإسرائيلية على الحدود السورية. وتوالت تصريحات عبد الناصر وحملات الدعاية العامة داخل مصر بشكل شبه يومي تنذر أن الحرب قادمة لا محالة (انظر أحد الملصقات الذي انتشر في شوارع القاهرة في أواخر مايو).(ظ،ظ£)




    وفي مؤتمر صحفي ثم خطاب لمجلس الشعب يومي ظ¢ظ¨ و ظ¢ظ© مايو أكد عبد الناصر أن مصر صارت على أهبة الاستعداد لمواجهة إسرائيل وإعادة الوضع لما كان عليه في عام ظ،ظ©ظ¤ظ¨ وأن مصر لا تقبل تعايشا مع إسرائيل وتصر على عودة كل الحقوق الفلسطينية كاملة. وترجمة هذه التصريحات هي أن مصر مصرة على الحرب، لأنه لم يشر إلى أي إمكانيات للمفاوضات أو التراجع. وأخطأ عبد الناصر عندما اعتقد أن رسالة الأمين العام للأمم المتحدة يوثانت يوم ظ£ظ* مايو، والتي طالب فيها الطرفين بتحاشي الأعمال العدائية لمدة أسبوعين لم تكن لتصدر سوى بموافقة أمريكية وسوفيتية وانصياع إسرائيلي، وتراخت العسكرية المصرية قليلا شاعرة أن لديها وقتا للاستعداد.

    وتسارعت المحاولات الأمريكية من أجل تفادي الحرب (ولو أنها كانت أيضا تبحث كل السيناريوهات البديلة بشأن وقوع الحرب، وكانت مطمئنة لحد كبير للتفوق العسكري الإسرائيلي). وأرسل الرئيس جونسون وزير المالية السابق روبرت آندرسون، وهو سياسي أجرى مفاوضات سرية مع عبد الناصر من قبل، في محاولة لتهدئة الوضع. والتقي آندرسون مع عبد الناصر مساء ظ£ظ، مايو أو أول يونيو (تتضارب التقارير في موعد الاجتماع). ووفقا لبرقية أرسلها اندرسون للرئيس جونسون، فإن ناصر لم يتراجع خطوة عن مواقفه الحالية والمعلنة وإن أعرب عن أمله في تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة. وفي الثاني من يونيو أرسل عبد الناصر خطابا لجونسون (ردا على خطاب تلقاه منذ عدة أيام) ودعا فيه نائب الرئيس الأمريكي هيوبرت همفري لزيارة مصر وأعرب عن استعداده لإرسال نائبه زكريا محي الدين لواشنطن لتوضيح الموقف، وأرسلت واشنطن السفير السابق تشارلز وودروف يوست الذي يتمتع بعلاقة قوية وقديمة مع وزير الخارجية المصري محمود رياض إلى القاهرة.

    والتقي الاثنان في منزل رياض في القاهرة في اجتماع طويل في أول يونيو، حيث أوضح الديبلوماسي المخضرم الذي صار باحثا في مجلس العلاقات الخارجية ووصل القاهرة كمبعوث خاص للرئيس جونسون، أن الولايات المتحدة نجحت حتى الآن في إيقاف تحرك إسرائيلي، لكن القيادة الإسرائيلية منزعجة من أعمال الحشد والتعبئة العربية ومن تصريح أخير لعبد الناصر حول أن العمل جار من أجل العودة إلى أوضاع ظ،ظ©ظ¤ظ¨ ومن حظر المرور في مضايق تيران. وأكد يوست اتفاق الموقف الأمريكي مع الإسرائيلي فيما يتعلق بحق إسرائيل في المرور عبر مضايق تيران، وهو أحد ترتيبات إنهاء حرب ظ،ظ©ظ¥ظ¦. وبعد ثلاثة أيام في القاهرة واستماعه لردود حادة من رياض حول مضايق تيران، فقد يوست تفاؤله وتراجع عن تقويماته السابقة حول أن عبد الناصر ومصر كانا “يهوّشان” من أجل ردع عمل عسكري إسرائيلي محتمل.(ظ،ظ¤)
    وانتهت السياسة والدبلوماسية وانتقلت الأنظار إلى سيناء.

    -------
    هوامش:
    (ظ،) منذ حكومة محمد نجيب في سبتمبر ظ،ظ©ظ¥ظ¢ حتى آخر تعديل وزاري أجراه عبد الناصر في أكتوبر ظ،ظ©ظ¦ظ¨، تولى العسكريون نحو ظ£ظ¤ظھ من المناصب السياسية الرئيسية، ورغم أن الـ ظ¦ظ¦ظھ الباقية ذهبت لمدنيين، إلا أن مناصبهم كانت في الأغلب تحت سيطرة العسكريين الذين تولوا كل مناصب نائب الرئيس ورئاسة الوزراء والحربية والإنتاج الحربي والمخابرات والداخلية (باستثناء ضابط شرطة لفترة محددة) والإعلام ورئاسة مجلس إدارات صحف أو رئاسة تحريرها، وفي الخارجية بحلول عام ظ،ظ©ظ¦ظ¢ شغل العسكريون ظ§ظ¢ظھ من المناصب المهمة في الوزارة، وكان جميع سفراء مصر في أوروبا عسكريين باستثناء ثلاثة وذهبت حوالي ظ¨ظ*ظھ من مناصب المحافظين لضباط جيش وشرطة في عام ظ،ظ©ظ¦ظ¢ — انظر مجدي حماد، “المؤسسة العسكرية والنظام السياسي المصري”، في كتاب أحمد عبد الله، “الجيش والديمقراطية في مصر”، ص ظ،ظ¤. وقد كتب انور عبد الملك مطولا في هذه المسألة في كتابيه “الجيش والحركة الوطنية” و“المجتمع المصري والجيش”، كما تطرق لها طارق البشري في كتابه “الديمقراطية والناصرية.”
    (ظ¢) يقول سامي شرف، سكرتير مكتب عبد الناصر للمعلومات إن “تعليمات الرئيس أن كل ورقة تعرض عليه ترسل إلى المشير في نفس اللحظة دون استشارة، والقرارات التي تصدر دون أن يكون شريكا فيها، يكون أول من يعرفها، وكان عبد الحكيم هو الوحيد الذي يعرف تحركات الرئيس السرية.” عبد الله امام، “عبد الناصر: كيف حكم مصر”، ص ظ،ظ¥ظ¤
    (ظ£) أمين هويدي، “الفرص الضائعة“، ص ظ©ظ£ و ص ظ،ظ¢ظ£
    (ظ¤) محمد فوزي، “حرب الثلاث سنوات”، ص ظ¨، ص ظ£ظ¨، ص ظ¥ظ، وهناك تفصيل أكثر عن هذه النقطة لدى Michael Oren, “Six Days of War”
    (ظ¥) فوزي، ص ظ©ظ¦
    (ظ¦) هويدي، ص ظ¦ظ¨
    (ظ§) محمد الجوادي، “الطريق الى النكسة”، ص ظ¨ظ*
    (ظ¨) مذكرة من السفير مصري مراد غالب في موسكو انذاك وردت في كتاب “الانفجار” لمحمد حسنين هيكل، ص ظ§ظ¨ظ¢
    (ظ©) فوزي، ص ظ¤ظ£
    (ظ،ظ*) هويدي، ص ظ§ظ¥، ص ظ§ظ¨، ص ظ©ظ¤ وأيضا في كتاب فوزي، ص ظ¥ظ* – ظ¥ظ، و ص ظ¦ظ*- ظ¦ظ، و ص ظ¨ظ¦
    (ظ،ظ،) هويدي، ص ظ¨ظ*
    (ظ،ظ¢) فوزي، ص ظ¥ظ£-ظ¥ظ¤، ص ظ©ظ£
    (ظ،ظ£) Richard Parker, “The Politics of Miscalculation in the Middle East”, pp. 54
    (ظ،ظ¤) خطاب عبد الناصروبرقية اندرسون وتقرير يوست في ملحق الوثائق في كتاب باركر، ص ظ¢ظ£ظ£-ظ¢ظ¤ظ،

     

     


     
    رد مع اقتباس

    قديم 4th June 2016, 02:52 PM م الغزالى غير متواجد حالياً
      رقم المشاركة : 7
    م الغزالى
    Colonel
     





    م الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond repute

    افتراضي

    أنا : م الغزالى




    (6).. كيف لعبت الشتائم والتشهير دورا في تأجيج نار حرب خاسرة؟


    يتذكر كبار السن من المصريين إذاعة صوت العرب في الستينيات وعملها من أجل نشر أفكار القومية العربية وفضح النظم “الرجعية العميلة للإستعمار”، لكنهم ربما لا يتذكرون الإذاعات والتصريحات الإعلامية الموجهة من السعودية والأردن وسوريا، والذي كان ينتقد حكم الفرد، ويعني به عبد الناصر، وعجز مصر عن تحرير فلسطين ومواجهة إسرائيل. وكانت هذه الانتقادت اللاذعة التي تحولت لحملات مكثفة للاستفزاز والشتائم والتجريس موجعة للقيادات السياسية في القاهرة ومزعجة أحيانا حتى لحلفاء هذه النظم بين الدول الغربية، لخشيتهم من أن تدفع المبالغة فيها مصر وعبد الناصر إلى رد فعل قوي.
    لم تصدر هذه الحملات من السعودية والأردن فقط، بل شاركت فيها سوريا مشاركة فعالة ولسنوات بعد انهيار مشروع الوحدة مع مصر في عام ١٩٦١، كما شاركت فيها أنظمة عربية أخرى – بعض الوقت – مثل العراق، وكان لبنان في الأغلب مسرحا للصراع السياسي بالوكالة بعض الوقت وسوقا لبيع الصحف والأبواق الإعلامية لهذه النظم أو للنظام المصري طول الوقت.
    المفارقة أن كل هذه الدول لم تكن تريد أن تحارب إسرائيل، بل تواصلت السعودية والأردن مع إسرائيل بأشكال مباشرة أو غير مباشرة خدمة لمصالحها أو للحصول على تطمينات وتبادل معلومات، ووصل الأمر للتعاون العسكري غير المباشر بين السعودية وإسرائيل لدعم الإمام محمد البدر في اليمن ضد الجيش المصري (١).
    وكانت البرامج المعدة خصيصا للنيّل من عبد الناصر تكرر وتعيد أن الزعيم المصري وجيشه يختبئان وراء قوات الطوارىء الدولية المرابطة في نقاط محددة حول القناة وفي شرم الشيخ جنوبا، وعلى حدود الهدنة وداخل قطاع غزة الفلسطيني الذي تديره مصر منذ ١٩٤٨، كانت هذه القوات الدولية، التي لم يزِد قوامها عن ٤٠٠ر٣ جندي من عدة دول، منتشرة على الجانب المصري فقط من الحدود مع إسرائيل منذ أواخر ١٩٥٦ في إطار ترتيبات إنهاء العدوان الثلاثي (الفرنسي الإنجليزي الإسرائيلي)، وتضمنت الترتيبات منح إسرائيل حق العبور الآمن في مضايق تيران نحو ميناء إيلات وكان تستورد نفطا إيرانيا وقسما من تجارتها العادية من هذا الطريق. وفي عامي ١٩٦٥-١٩٦٦، رست في ميناء إيلات ٥٠٠ سفينة استوردت ٥٤ ألف طن وصدرت ٢٠٧ ألف طن سلع مختلفة.
    وكانت السعودية والأردن بل وإسرائيل والولايات المتحدة كلها تعتقد أن مصر تفضل فعلا الاحتفاظ بقوات الطوارىء على الحدود، لأنها توفر ذريعة لعدم شن عمليات عسكرية ضد إسرائيل من الجانب المصري، كما أنها تحمي مصر من أي مغامرات إسرائيلية، واعتقد الأمريكيون أن عنف الانتقاد العلني من الإذاعات العربية الموجهة ساهم في دفع عبد الناصر لقرار التصعيد وطلب سحب القوات في ١٦ مايو بغض النظر عما إذا كان فعل هذا بنية التهويش أم كان يعتزم خوض الحرب فعلا.
    وهناك إشارات على أن عبد الناصر والمشير عامر كانا يريدان منذ ١٩٥٧ طرد هذه القوات أو على الأقل إعادة نشرها بحيث لا تعيق التحركات العسكرية المصرية من ناحية ولكي تستعيد مصر السيطرة على مضيق تيران من ناحية أخرى وتستعمله كورقة ضغط ضد إسرائيل. وسنركز في هذا المقال قليلا على النظرية الأولى لنرى الدور المحتمل للشتائم و“الردح” المتبادل بين مصر من ناحية والسعودية والأردن من ناحية أخرى في دفع مصر لاتخاذ خطوات تحفظ لها هيبتها وتحرم خصومها العرب من سلاح التشهير.
    أثّرت هذه الإذاعات الموجهة ولغتها الوضيعة على عبد الناصر خاصة، ولم يوفر الزعيم جهدا في مواجهة هذه الحملات وعلى نفس مستواها.
    في خطاب له في فبراير ١٩٦٧ سبّ عبد الناصر قادة السعودية والأردن وسوريا وتونس مستخدما ألفاظا مقذعة ومتهما إياهم بالعمالة والخيانة والتجارة بالشعارات والدين، وستساهم هذه المقتطفات، الذي ينبغي للمهتمين الاستماع إليها للتعرف أكثر على قدرات ناصر الخطابية وتأثيره الفعلي، في إظهار وضاعة الحملات المتبادلة.
    “باقرا إذاعة إسرائيل وإذاعة الملك حسين وإذاعة الملك فيصل ووكالات الأنباء، وتسمع إذاعة الأردن يقولوا يا جعانين يا اللى مش لاقيين تاكلوا.. ياللى مش فاهم إيه، وتسمع إذاعة السعودية بيقولوا إن المصريين الاشتراكية جوعتهم وعرتهم والاشتراكية عملت وسوت! وطبعا طول الليل والنهار الملك فيصل عمال يسب ويشتم.. الملك حسين.. ما هو بقى ملك فاجر.. عاهر الأردن – زى ما بيقولوا عليه الإنجليز – واخد الصنعة عن جده فى سنة ٤٨ جده – الله يرحمه!”
    ولا يتوانى عبد الناصر عن اتهام السعودية والأردن وسوريا وتونس بأنهم أسوأ من الاستعمار ويضحون بكل شىء من أجل بقائهم في السلطة.
    “(الرئيس التونسي الحبيب) بورقيبه خرج وطالب بالتفاوض مع إسرائيل، والصلح مع إسرائيل، وهو بهذا كان يتبنى مخططات أمريكا، وبورقيبه كعميل استعمار قال إنه يعمل إنه شجاع ويطلع بهذه الآراء وتنشر عنه الصحافة الغربية ويستطيع بهذا أن يضمن عون أمريكا، إذن بدأت تصفية وحدة العمل ببورقيبه، ثم بدأ الملك فيصل يعمل من أجل الحلف الإسلامى.. حلف إسلامى لخدمة مصالح أمريكا وخدمة مصالح إنجلترا. وبعدين بيطلع الملك حسين وينضم إلى فيصل في هذا الطريق.. هم بيشتغلوا بالدسائس، وهم بيشتغلوا بالأموال، إحنا دعامتنا الأساسية كلامنا؛ إن إحنا نقف نتكلم وإذاعتنا تتكلم وصحافتنا تتكلم، مش دعامتنا الأموال ولا دعامتنا التآمر.. الأمريكان زعلوا جدا، ليه زعلوا؟ إزاى نهاجم الملك فيصل، وإزاى نهاجم الملك حسين، وإزاى نهاجم إسرائيل؟ مطلوب مننا إن إحنا نحل هذه المواضيع بالديبلوماسية الهادية، ومفيش داعى إن إحنا نعلنها.. طب يا جماعة والجماعة دول طب ما هم بيهاجمونا! بيهاجمونا في جرايدهم وبيهاجمونا في إذاعاتهم، اشمعني هذا الهجوم ما انتوش زعلانين منه؟‍! إذا إحنا هاجمناهم تزعلوا.. إذا هم هاجمونا تتبسطوا! معنى ده إيه؟!”
    “فيه ناس قالوا بورقيبه ده ملحوس.. يعني الواحد ما يحاسبوش على كلامه، وده ساعات بتيجي له لحسه ويطلع بيقول أي كلام، وأنا فعلا بعد بورقيبه ما اتكلم، قلت استنى شوية، والراجل ده معروف إنه راجل عصبي وساعات بيقول أي كلام، لكن بورقيبه أكد هذا الكلام.. باين إن هو واحد بيقول شكل للبيع! وأنا عايز اتخانق معاكم.. قلنا له خلاص إذا كنت عايز تتخانق معانا بنتخانق معاك وبنقول رأينا فيك بصراحة، والرأي إن اللي بيقول هذا الكلام لازم يا يكون اليهود اشتروه، يا الأمريكان اشتروه، يا إما يكون اتلحس أو اتجنن.. لا يمكن أن نفصل الرجعية العربية بأي حال من الأحوال عن الاستعمار.. عن إنجلترا.. عن أمريكا؛ الموجه أمريكا، وإنجلترا فى جيب أمريكا، والتلاتة خدام لأمريكا وخدام لإنجلترا.. ملك الأردن.. ملك السعودية.. والخواجة بورقيبه.. التلاتة ماشيين لتحقيق أهداف الاستعمار.. اللي بيرتب واحد، والخبر اللي تذيعه إذاعة السعودية، بعد يومين يذيعه بورقيبه، التعليق اللي تذيعه إذاعة السعودية بعد يوم يذيعه بورقيبه، وبعدين بيذيعه الملك حسين، وباين إن المخابرات الأمريكي بتشتغل معاهم هم التلاتة، وبتنسق بينهم هم التلاتة.”(٢)
    وأقر وزير الخارجية المصري –آنذاك- محمود رياض أن هذه الإذاعات الموجهة أثرت كثيرا على عبد الناصر، خصوصا “بادعائها المتكرر أن ناصر يحتفظ بقوات الطوارىء في سيناء ليبرر تقاعسه عن نجدة الفلسطينيين كما كانت البرامج في الإذاعات التابعة للسعودية تجتزىء من حديث لناصر قوله لمجموعة من الفلسطينيين إن مصر لن تعيد لهم وطنهم السليب.”(٣)
    كان هذا مستوى الخطاب بين الزعماء العرب، وهو مما ساهم لا شك في إذكاء الغضب والكراهية المتبادلة بين الحكام وقطاعات من شعوبهم وبعضهم البعض، في نفس الوقت الذي كانوا فيه جميعا يتشدقون بأهمية الوحدة العربية والعمل المشترك، وتغذى هذا الخطاب على عجز هذه الأنظمة عن خلق علاقات تعاون في حدها الأدنى وانشغالها المطلق بدوافع الحفاظ على أمن الأنظمة وبقائها في السلطة بالدرجة الأولى، وهو أمر كان يتهدده بالنسبة للرياض – على الأقل – مساعي ناصر لنشر الثورة وشعاراتها القريبة من الإشتراكية والمعادية للحكم الملكي وطرد كل ما تبقى من آثار للنفوذ البريطاني.
    في نهاية الأمر كان ناصر ومن حوله، خصوصا هيكل، يرون في الرياض وعمّان أنظمة حكم ساهم الأنجليز في خلقها وبقائها في مطلع القرن وظلت على علاقات أمنية وعسكرية وثيقة بلندن، وتدريجيا مع تراجع الإنجليز والفرنسيين للخلف كدول استعمارية تفرض مصالحها بالقوة على الأرض لصالح الهيمنة والقوة الأمريكية المتمددة شيئا فشيئا عن طريق الاقتصاد والسياسة، فقدت الحركة الوطنية التي قادت السياسة في العالم العربي منذ أوائل القرن العشرين زخمها، ولم تعد بحلول منتصف الستينيات سوى شعارات فارغة في أعين مؤسسات الدولة وأجهزة أمنها، حيث يعرف المعنيون بالأمر أنها فعليا في مرتبة أقل بكثير من المسائل المتعلقة ببقاء وتأمين النظم العسكرية والملكية، الرجعية والثورية سواء، وحمايتها، ليس من الأستعمار وأجهزة مخابراته فحسب، بل من جيرانهم، وحتى من شعوبهم ومن جيوشهم نفسها التي بدأت في التذمر أو في موجة الانقلابات العسكرية التي شملت السودان (١٩٥٨) واليمن (١٩٦٢) وسوريا (١٩٦٣) والجزائر (١٩٦٥) والعراق (١٩٥٨ و ١٩٦٣).
    وتسارعت الأحداث في ربيع ١٩٦٧.
    الأمريكيون يوقفون الحملات الإعلامية من الأردن:
    على مدى سنوات هيّج الأردنيون الرأى العام ضد عبد الناصر بشدة واتهموه بالتقاعس عن المواجهة مع إسرائيل، حتى أدركوا أن هذا الموقف قد يؤذيهم، فتوقفوا في حوالي ٢١ مايو بعد طلب مباشر من واشنطن التي خشت أن هذه الحملات التشهيرية، التي لابد كانت تعجبها بعض الشىء، قد تدفع الأمور لمنزلقات وعرة يصعب السيطرة عليها.
    كان ربيعا ساخنا في الأردن تزايد فيه الضغط الداخلي من شعب ثلثيه فلسطينى الهوية والانتماء داعما لنداءات وتحركات عبد الناصر لكبح جماح إسرائيل ومنعها من ضرب أي دولة عربية.. كانت المملكة الأردنية الهاشمية رغم مرور ٤٥ عاما على نشأتها –آنذاك- وربما ما زالت- دولة ضعيفة ومعتمدة على دعم ورعاية مصالح رعاة غربيين في لندن وواشنطن. طالما سارت عمّان بحذق يعود الفضل فيه للملك حسين على حبل مشدود بين بقاء نظام يعرف ضعف بلاده وهوان قدرتها، لكنه تحت ضغط مستمر من شعب يريد الحق والعدل والعودة لوطنه الأصلي ويؤجج ناصر مشاعره من ناحية، وبين عدو شرس وتوسعي في غربه لم يتوقف عن الحلم بـ “استعادة” القدس والسيطرة على ما صار يسميه يهودا والسامرة أو الضفة الغربية، التي كانت كلها حتى يونيو ١٩٦٧ أراض خاضعة لسيطرة الأردن، ولعجز النظام الأردني عن مصارحة شعبه كان ينزعج بشدة من الدعايات الناصرية القادمة من صوت العرب ويريد الحفاظ على الوضع القائم.. كان القصر الملكي يعلم بناء على خبرة السنوات الماضية أنه قد يخسر نصف الأراضي التي يسيطر عليها في أي مواجهة عسكرية مع إسرائيل، ولذا كان حنقه على ناصر كبيرا لأنه الزعيم المصري الذي كان يداعب أحلام وأمال كل الفلسطينيين، بل والعرب الطامعين في استعادة الشعور بالكرامة والقوة.
    وشكا مسؤولون أردنيون – آنذاك – للسفير الأمريكى فيندلي بيرنز أنهم لا يستطيعون تحمل مزيد من الضغط الشعبي، وأن صورتهم فى العالم العربي كحليف للولايات المتحدة صار ثمنها أبهظ مما يمكن تحمله، وبدأ الأردنيون في أواخر مايو النظر في خطوات محددة – وفقا لتقرير أرسله بيرنز إلى واشنطن- ومنها “استضافة قوات عربية، مع ضمان أن تكون هذه القوات سعودية أو عراقية، وليست مصرية أو فلسطينية.”

    يتبع تكملة الجزء السادس

     

     


     
    رد مع اقتباس

    قديم 4th June 2016, 02:53 PM م الغزالى غير متواجد حالياً
      رقم المشاركة : 8
    م الغزالى
    Colonel
     





    م الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond repute

    افتراضي

    أنا : م الغزالى




    ويقول السفير الأمريكي في عمّان إنه كان متوجها للقاء رئيس الوزراء الأردنى سعد جمعة في العشرين من مايو، وبعد أن دخل مكتبه وجد عنده الملك حسين ونائب القائد العام للجيش الجنرال الشريف ناصر ورئيس الأركان عامر خماش. وكان الأردنيون قلقين من أي انفجار للأعمال العسكرية سيورطهم حتما، “وهم لا يرغبون في المشاركة في أي أعمال عسكرية، وأبلغني الملك أنه قرر عدم تنظيم عرض عسكرى في مطار القدس حتى لا يستفز الإسرائيليين في القدس الغربية فيما يبدو. والقلق الأردني الأشد هو أن يطلب عبد الناصر مساعدتهم إذا قرر إغلاق خليج العقبة ويحاول وضع قوات مصرية في ميناء العقبة الأردني.”

    كان عبد الناصر قد أعلن سحب قوات الطوارىء الدولية، لكنه لم يقرر بعد غلق مضايق تيران وخليج العقبة في وجه الملاحة الإسرائيلية، وأوضحت برقية من واشنطن موجهة إلى السفير بيرنز في عمّان أن “إسرائيل أبلغتنا أن راديو رام الله –الأردني- في نشرة أخبار الظهيرة اليوم وفي التعليق الإخباري هاجم القاهرة وتحدى المصريين أن يظهروا جديتهم عن طريق إغلاق خليج العقبة.. إذا كان هذا التقرير صحيحا يجب أن تؤكدوا لرئيس الوزراء جمعة والآخرين أن هذا التحريض والخط الإعلامي الخطير يمكن أن يؤدي إلى تدهور الأوضاع، وفي الموقف المتفجر الراهن، فإن مثل هذه الأنشطة في مؤسسات المملكة الأردنية تتصف بالرعونة ويجب إيقافها.” (ظ¤)
    بين الثورة والاستقرار: “الملك حسين بيعيط هو وأمه”
    كان عبد الناصر مؤمنا بحتمية وأهمية الوحدة العربية، ويعتقد أن مصالح الشعوب وثقافتها المشتركة تعلو فوق الأنظمة السياسية والاجتماعية الحاكمة لها، وربما كان يرى في نفسه الزعيم الموّحد للأمة والملهم لها، خصوصا في النصف الثاني من الخمسينيات وبعد إحرازه عدة نجاحات متتالية في وجه الإنجليز والإسرائيليين والفرنسيين، بل ومناوشاته الدبلوماسية مع الأمريكيين.
    كان عبد الناصر قد وطد مكانة عالمية عن طريق حركة عدم الإنحياز بداية من عام ظ،ظ©ظ¥ظ¥ ، وهو نفس العام الذي أتم فيه القضاء على كل منافسيه داخليا من الإخوان المسلمين وحتى بقايا حزب الوفد وكبار ملاك الأراضي.. كان فقر مصر وضعفها الاقتصادي والعسكري النسبي يغلّ طموحات عبد الناصر، الذي لابد أنه – أو من حوله – كانوا يتحسرون على افتقارهم إلى ثروة نفطية، وجاءت الوحدة مع سوريا خطوة لم يسع إليها ناصر من أأأجل اختبار فرضيات القومية العربية، لكن انهيارها السريع ثم تورطه في حرب اليمن ونهاية فترة الانتعاش الاقتصادي في منتصف الستينيات كلها، جعلت الرجل أكثر استعدادا للمقامرة وأكثر غضبا على الولايات المتحدة التي رأى أنها العقبة الرئيسية في وجه مشروعه التاريخي.

    بيد أن أحلام ناصر وطموحاته بذاتها بدأت تتفكك في أوائل الستينيات. وجه تفكك الوحدة السورية المصرية الهشة في ظ،ظ©ظ¦ظ، ضربة قوية للمشروع الناصري، وآمال القوميين العرب عموما، ويقول السياسي المصري سيد مرعي إنه لكي نفهم قرارات وتحركات عبد الناصر في ظ،ظ©ظ¦ظ§ “يلزم أن نعود إلى عام ظ،ظ©ظ¦ظ، وتفكك الوحدة مع سوريا، والتي صار عبد الناصر بعدها منشغلا للغاية بهيبته وسمعته في العالم العربي.” ويتفق زكريا محيي الدين، الذي يرى أن قرار دعم ثورة المشير السلال في اليمن أتت من نفس المنطلق، حيث “بالنسبة لعبد الناصر كانت ثورة اليمن هدية من السماء ليتمكن من استعادة نفوذه وهيبته”.(ظ¥)

    ولابد أن عبد الناصر ورفاقه من المعسكر الثوري العربي نظروا بحسرة وغضب إلى كبرى الدول العربية المنتجة للنفط، والتي قارب دخلها في عام ظ،ظ©ظ¦ظ¥ ألفي مليون دولار سنويا، وفي مقدمتها دول تقود معسكر “الرجعية” مثل السعودية والكويت، وبدأ موسم الهجرة العربية إلى الخليج، حيث انتقل مئات الآلاف من السوريين والفلسطينيين واللبنانيين، ومعهم افكار ناصر والبعث وأحلام الفلسطينيين في استعادة وطنهم، بينما بدأ في نفس الوقت عمل السعودية الدؤوب على استغلال ثروتها في مكافحة كل تلك الافكار التي كانت ترغب في أن يستغل العرب نفط العرب من أجل حل مشاكل العرب بزعامة ناصر.

    بالنسبة للخليج كان هذا نفطهم ويمكن أن يعمل مهنيون (أطباء ومدرسون ومحاسبون ومترجمون) عرب من دول أخرى لديهم، لكنهم لا يريدون انتشارا للأفكار الثورية في بلادهم، ولا يرغبون في القيام بأي تورط عسكري، ولا سيما وأن أمن الأنظمة والحكومات الناشئة في تلك المنطقة كان هشا، بل ومعتمدا في الأساس على مظلة تمدها لندن وواشنطن.. كان ناصر وأفكاره وما أعتقدوا أنه محاولته للسيطرة على ثرواتهم، مشكلة رئيسية تؤرق هذه الأنظمة. (ظ¦)
    آمن عبد الناصر أن الأمريكان خلف المحاولات العربية الحثيثة لمحاصرته عن طريق الأحلاف أو الضغط باستعمال صفقات القمح والمساعدات الاقتصادية، وزاد توجسه بعد رحيل الرئيس كينيدي وزيادة وتيرة التشهير بناصر وسياساته في الإذاعات العربية الموجهة، وفي خطابه في عيد العمال في ظ¢ مايو ظ،ظ©ظ¦ظ§ قال:
    “الملك فيصل والملك حسين بيشغلوهم الأمريكان وبيشغلوهم الإنجليز، والإنجليز طبعا وأمريكا أيضا قرروا من الأول في المرحلة الأخيرة إنهم ما يدخلوش مع الأمة العربية ولا الثورة العربية في مواجهة، لكن يدخلوا عن طريق العملاء، ولقوا عميل من الأسرة الهاشمية، وعميل في المملكة العربية ومشيوا معاهم، خطة أمريكا كانت إنها توجههم، وفي نفس الوقت مبنية على إن إحنا نسكت.. طيب هل ننفذ لها خطتها ونسكت؟ مش ممكن ننفذ الخطة ونسكت”

    ولم يقبل عبد الناصر ومؤيدوه قط أن عداء الأسرتين الملكيتين، السعودية والهاشمية، ينبع من أن ثوريته وسياساته الخارجية خصوصا في سوريا والعراق واليمن، كانت تهدد أنظمة الحكم هذه نفسها.. لم يحتج الملكان، حسين أو فيصل، لتشجيع أو عمالة أمريكية فقد كان عدائهما لعبد الناصر نابعا من مصالحهم الشخصية المباشرة، حيث كان الزعيم المصري ينخر بلا هوادة في أسس شرعية هذه الأسر الحاكمة.

    وكان ناصر، الذي وعد بمساعدة أي دولة عربية تواجه هجوما إسرائيليا، لاذعا في رده.
    “وفيصل يطلع.. وفيصل طبعا بيتكلم على الدين ببقه، وقلبه ما فيه أي دين، ولا فيه أي حاجة.. كلام يعني وتمثيل، ويطلعوا الناس وبيوزعوا كتب، كتب ورق حلو.. أنا باقرا الكتب دي، وبييجي لي نسخ منها، ورق جميل وطباعة كويسة جدا، وكله شتيمة.. والله هذه الأمور ما هياش جديدة علينا، ياما اتشتمنا قبل كده، وياما اتقال علينا قبل كده، وكان علينا محطات إذاعة لا أول لها ولا آخر.. تطلع إذاعة.. طبعا إذاعة الملك حسين بتشتغل للمخابرات الأمريكية للـ C.I.A، لأن هو الملك حسين نفسه بيتشغل فى C.I.A، إذا كان الملك حسين نفسه بيشتغل في C.I.A يبقى الإذاعة بتاعته بتشتغل في الـ C. I .A بتطلع الإذاعة، ويشتموا بقى كلام سافل وكلام وسخ، وطبعا أنا باقرا الكلام اللي بتقوله إذاعة الملك حسين واقول كلام عيال ولا الواحد يعبره بحاجة.. ما هو مش معقول طبعا أرد على العيال دول لأن يعنى آخرتهم معروفة، وأنا وهم والزمان طويل! مش حنسكت.”

    ثم يصل ناصر لبيت القصيد، والذي ربما كان أحد أسباب بعض تحركاته التالية خلال أسابيع للضغط على إسرائيل عقب تقارير عن حشود قرب الحدود الصهيونية مع سوريا:
    “في أيام ما حصل العدوان الإسرائيلى على سوريا (كان يقصد هجوما جويا إسرائيليا ردا على قصف مدفعي سوري أدى لإسقاط عدة مقاتلات سورية فوق دمشق) طلعت إذاعة العيال في الأردن، إذاعة الملك حسين تقول إيه؟ إن اتفاقية الدفاع المشترك مع سوريا ما اتنفذتش، والملك حسين زعلان بقى وبيعيط هو وأمه على الاتفاقية إنها ما اتنفذتش.. جرى إيه؟ إيه الحكاية؟‍! محزنة في الأسرة الهاشمية في عمّان.. إيه الحكاية؟ قالوا مصر ما قامتش تساعد سوريا.. الملك حسين هو وعيلته زعلانين قوي، وطيب خدوا بقى موضوع للدعاية، وإزاي مصر.. طيارات مصر ما راحتش تساعد الطيران السوري.. طبعا معروف إن الطيارات المقاتلة مداها محدود، وطياراتنا المقاتلة ما توصلش إلى حدود سوريا، إذا قامت من مصر علشان تروح وترجع معروف إنها ما توصلش لحدود سوريا، أي طيارات مقاتلة يعني ما توصلش؛ لأن مدى الطيارات محدود، فإزاي بتطلع طياراتنا من هنا؟ أنا باقول هذا الكلام علشان أنبه الأمة العربية والشعب العربي والشباب العربي لكل شيء، ويعرفوا كل شيء.. إحنا عملنا اتفاقية دفاع مع سوريا، وقلنا إن إحنا مستعدين.. مستعدين إن إحنا ننفذ هذه الاتفاقية وبنقف مع سوريا، وبنقف مع الشعب السوري.. الشعب السوري زي الشعب المصري، وأي شعب عربي زي الشعب المصري، ولا يمكن بأي حال من الأحوال إن إحنا نفرط في هذا، لكن إذا حصل اشتباك في الجو بين سوريا وإسرائيل ما نقدرش نطلع من مصر نساعد.

    وينتهي عبد الناصر إلى القول إن العاهل الأردني يجب أن يرحل أو “يطير” لأنه: “بيبص لنا إحنا كأعدائه، وبيبص لإسرائيل كأصدقائه، وإسرائيل بتقول إنها لا توافق على تغيير النظام اللي موجود في الأردن – اللي هو نظام الملك حسين – والثوار العرب بأفكارهم الثورية ونداءاتهم الثورية لازم بيطير الملك حسين، يبقى بالطبيعة أن الملك حسين قلبا وقالبا بيكون موجود مع إسرائيل.”(ظ§)

    وتطورت الأحداث بعد هذه الخطبة سريعا، حتى أوقف الأردن كل الحملات الدعائية ضد مصر، بسبب الضغط الشعبي، واستجابة أيضا لنصائح السفير الأمريكي الذي ابلغ واشنطن في ظ¢ظ، مايو ظ،ظ©ظ¦ظ§ أن رئيس الوزراء جمعة “استدعى وزير الإعلام في وقت مبكر صباح اليوم وابلغه أنه يتعين على الصحافة والإذاعة الأردنية من الآن فصاعدا الإمتناع عن حث ناصر على شن أعمال عسكرية ضد إسرائيل أو أغلاق خليج العقبة.”(ظ¨)، وأضاف السفير في تقرير بعد يومين أن الأردن توقف عن دفع “ناصر إلى مهاجمة إسرائيل وإغلاق خليج العقبة بسبب رغبة الأردن في عدم إثارة غضب ناصر في الوقت الحالي.. حكومة الأردن تشعر بضرورة أن تتخذ خطوات تهدف -على الأقل ظاهريا- إلى إنهاء عزلتها والانضمام إلى صفوف الدول العربية الأخرى خصوصا مصر، ويعتقد المسؤولون الأردنيون أن ناصر استعاد هيبته بصورة درامية بسبب تطورات الأحداث في الأيام الأخيرة.” (ظ©)
    توقفت الحملات الدعائية الأردنية الداعية لإغلاق خليج العقبة وحرمان إسرائيل من استعمال مينائها الوحيد في البحر الأحمر، في اليوم ذاته الذي قام فيه عبد الناصر بهذه الخطوة نفسها، وبات الملك حسين مجبرا على الدخول في حرب طالما دعت إليها أجهزة إعلامه وتحاشاها هو وجيشه عارفا أنه سيخسرها بسبب ضعفه العسكري وبسبب التأييد الغربي عموما للوضع الراهن فيما يتعلق بالخلاف العربي الإسرائيلي. دعا الملك حسين إلى حرب لإحراج ناصر وإضعاف موقفه إقليميا، لكن معظم شعبه الفلسطيني الأصل أرادها حقا ليختتم مأساة تدخل عامها العشرين واضطر الملك نفسه للقفز في قارب الحرب متأخرا حتى لا يخسر على كل الجبهات، فوصل القاهرة في نهاية شهر مايو ليعقد معاهدة دفاع مشترك مع مصر بعد أسابيع قليلة من إهانات مقذعة وجهها له الرئيس عبد الناصر.
    فيصل وحسين و”الملحوس” بورقيبة وشاه إيران أدوات في يد أمريكا:
    ورغم أن عبد الناصر كان يركز في شتائمه على الزعماء والقادة العرب فيما كان يسميه بالنظم الرجعية، فإنه كان يرى يد واشنطن فوق أيديهم. ويختتم الزعيم المصري خطاب عيد العمال المهم في ظ،ظ©ظ¦ظ§ قبل خمسة أسابيع من هزيمة يونيو، مشيرا إلى الخطة الأمريكية الكبرى التي تقف وراء كل هذه النظم ووراء إسرائيل:
    “المعركة اللي إحنا بنحاربها معركة مش سهلة.. معركة كبيرة ومعركة تقودها أو تشارك فيها أمريكا؛ أكبر قوة في العالم، والحقيقة إن معركتنا ماهياش مع فيصل ولا مع حسين، ولا مع الملحوس بورقيبه.. أبدا بأي حال من الأحوال، ولا مع شاه إيران، دول كلهم أدوات.. أدوات بيشغلوهم الأمريكان.” (ظ،ظ*)

    وجاءت خطبة ناصر في نفس الوقت الذي نشر فيه هيكل سلسلة مقالات في الأهرام تنتقد أمريكا وتتهمها بالوقوف خلف مشاكل مصر، وكان ناصر وهيكل يعبران عن نظرية منتشرة بين كبار رجال الحكم في مصر، مدنيين وعسكريين، وكررها عدد منهم في كتبه ومذكراته، ومثلما هي المشكلة في الخطبة كانت المشكلة في هذه المقالات وهذه النظرية عموما.. كثرة القفزات اللامنطقية من مقدمات معقولة لنتائج لا معقولة، مط الحقائق ولوي عنقها.. الافتقار للمعلومات والأدلة.. إهمال التفاصيل وتعقيدات بعض المواقف الدولية وتفضيل وجهة نظر ثنائية ربما تأثرا بالحرب الباردة تصبح معها أمريكا ضدنا على طول الخط، إن لم تقف جانبنا طول الوقت، وكانت واشنطن وعدد وافر من كبار مسؤوليها في إدارة جونسون، تقف منذ أواخر ظ،ظ©ظ¦ظ£ ضد سياسات مصر الخارجية، خصوصا في اليمن وتجاه السعودية وإسرائيل والأردن وفي أفريقيا، لكن ليس طوال الوقت، ولا توجد أي أدلة معقولة أو موثقة على أن جونسون نفسه وافق على أو سعى إلى اغتيال ناصر أو أنه منح إسرائيل ضوء أخضر لضرب مصر. كان هناك شعور معاد لناصر بين بعض كبار المسؤولين الأمريكيين المؤثرين على رسم السياسة الخارجية، لكن السياسة الرسمية للحكومة تجاه الثورة المصرية كانت تقوم على الحياد بمعنى أنها غير معنية بما يحدث داخل مصر ومن يسيطر على السلطة فيها طالما كان الوضع مستقرا.

    تركزت خلافات واشنطن مع القاهرة على سياسات مصر الإقليمية و“مغامرات ناصر في الخارج، خصوصا أنشطته في شبه الجزيرة العربية”. (ظ،ظ،)
    سعت سياسات مصر تحت حكم ناصر لتثوير الوضع القائم في المنطقة، بل والعالم، بينما رغبت امريكا معظم الوقت في الحفاظ على الاستقرار في الشرق الأوسط ومنع دخول الاتحاد السوفيتي له، وعاش الطرفان فترة وفاق صارت هشة مع رفض واشنطن تزويد مصر بأسلحة طلبتها، ورغم التدخل الأمريكي الذي ساهم بشكل رئيسي في إخراج مصر من براثن العدوان الثلاثي في ظ،ظ©ظ¥ظ¦، جاء اعتراف مصر بالصين ومعارضة واشنطن لتمويل البنك الدولي للسد العالي ليحطم الآمال الوليدة في بناء علاقات ودية.
    وفاقم من التوجس المشترك إقرار مبدأ إيزنهاور للعمل ضد الدول الشيوعية وحماية الدول المحافظة، والذي في ضوئه نظرت واشنطن بمزيد من الشك والارتياب لدعم مصر للقوى الثورية في المنطقة ضد نظم محافظة في العراق ولبنان والسعودية، وكانت فرصة القاهرة وواشنطن الأخيرة هي وصول جون كينيدي للحكم في ظ،ظ©ظ¦ظ، والعلاقة الودية التي نشأت بينه وبين ناصر، لكن الأشخاص بمفردهم لا يحركون التاريخ، إذا لم تكن هناك تغيرات حقيقية في المؤسسات والسياسات التي خلقت التوتر الأساسي في العلاقات.

    ساهم وجود كينيدي في تغاضي واشنطن سنتين عن التدخل المصري في اليمن رغم الانزعاج السعودي الشديد، لكن رحيل كينيدي المفاجىء أنهى هذه الفترة ونزع عنها العامل الشخصي، بل عكسهان إذ لم يكن لدى الرئيس الجديد جونسون صبرا على بلد كان يتلقى مساعدات أمريكية ليست بالقليلة وصفقات قمح تفضيلية، وهو في نفس الوقت يشاكس حلفائه ويهدد إسرائيل.

    وكانت أمام القاهرة فرصة أخيرة لتغيير سياستها أو تهدئتها (في اليمن أو غيرها) في عامي ظ،ظ©ظ¦ظ¤ و ظ،ظ©ظ¦ظ¥ ، لكنها مضت معظم الوقت في طريقها، خصوصا على صعيد التصريحات والجهود الدبلوماسية، ولم تحاول القاهرة كسب ود واشنطن التي كانت منحازة لحد ما (أقل بكثر من الوضع الراهن) إلى إسرائيل، ولم يكن المدهش هو أن واشنطن بدأت في الضغط على مصر في ظ،ظ©ظ¦ظ¥، بل إنها لم تضغط في السنوات السابقة.
    وفي ظ،ظ©ظ¦ظ¥ و ظ،ظ©ظ¦ظ¦ بدأت واشنطن في الضغط المتزايد على القاهرة وتقليل المساعدات والمعاملة التفضيلية في صفقات القمح الأمريكي، الذي كان يمثل أكثر من نصف استهلاك مصر، وبالتوازي بدأت في تسليح إسرائيل – مباشرة- بصواريخ مضادة للطائرات، ثم حثت ألمانيا على بيع دبابات لإسرائيل في عام ظ،ظ©ظ¦ظ¥ وبعدها باعت طائرات سكاي هوك لتل أبيب.

    كانت العلاقات المصرية الأمريكية في نفس الوقت تتعرض لهزات ثانوية، لكنها متتالية ومريبة مع حريق السفارة الأمريكية أواخر ظ،ظ©ظ¦ظ¤ على يد متظاهرين (إما أن أجهزة الأمن المصرية حركتهم أو تغاضت عنهم) ثم اسقاط طائرة رجل نفط أمريكي صديق للرئيس جونسون بعد ذلك بأسابيع (لم يكن الرجل على متنها) وتصريحات ناصر العنيفة في خطبه والتي منحت المعادين لمصر في الإدارة الأمريكية ذخيرة إضافية من أجل سياساتهم التي كانت تدعو لتصعيد الضغط على القاهرة. (ظ،ظ¢)

    مس ناصر كما لم يفعل زعيم عربي وترا حساسا لدى غالبية شعوب المنطقة وهو الكرامة التي أُهينت ومُزقت على أيدي الاستعمار والنخب الوطنية، ولإصراره في سياساته الخارجية على هذه القضية والعمل من أجلها، حقق عبد الناصر شعبية هائلة لاسيما وقد نجح في السنوات العشرة الأولى من حكمه في تحدى الاستعمار الإنجليزي والخطط التوسعية الإسرائيلية بنجاح.
    لكن الخطب لا تصنع جيوشا، والكرامة التي كان ينادي بها الرجل ويحث أبناء شعوبه على رفع رؤوسهم تعبيرا عنها، كانت تهان أكثر فأكثر على يد هذه الأنظمة القومية بما فيها مصر، ولم يتبق سوى الإنجازات الاقتصادية والاجتماعية التي حققها ناصر للطبقات الوسطى والدنيا في مجالات الصحة والتعليم والإسكان، لكن حتى هذه الإنجازات والمدفوعة بخطط تصنيعية طموحة واستفادة هائلة من تأميم مصالح اقتصادية أجنبية ضخمة وإعادة توزيع ملكية الأراضي، بدأت تترنح في ظ،ظ©ظ¦ظ¦ في ضوء الضعف الهيكلي في الاقتصاد المصري وعدم تجديد وإصلاح المؤسسة العسكرية.
    وبغض النظر عن المنطلقات الأيدلوجية للقومية العربية في نسختها الناصرية في مواجهة ما سمي بالنظم الرجعية في السعودية والأردن، فإن هزيمة ناصر الحقيقة، ليست بالضرورة هزيمة للوشائج الثقافية والروابط الاقتصادية القائمة والممكنة بين هذه الدول، لكنها هزيمة ساحقة لمحاولة فرض هذا النسق بالقوة، خصوصا من جانب طرف كانت أكبر أسلحته هي الأفكار والإعلام والمنتجات الثقافية، وهي كلها أسلحة حرم ناصر – ونظامه شعبه ذاته- من حرية استعمالها، وهي أسلحة باتت عاجزة في وجه المال السعودي والسلاح الإسرائيلي عندما دقت ساعة الجد.
    وخلال شهور قليلة من هزيمته الساحقة، اضطر ناصر إلى التوقف عن مساعيه لتصدير الثورة (في اليمن وغيرها)، وتصالح مع العاهل السعودي “العميل” في مؤتمر قمة عربي شهير في الخرطوم في إطار صفقة شملت تعهد السعودية بدفع حوالي ظ¤ظ، مليون جنيه استرليني سنويا لمصر أو أكثر من ظ¤ظ*ظھ من كل التعهدات العربية المقدمة في هذا المؤتمر الذي كان بحق إعلان نهاية فورية لمشروع ناصر على الصعيد الأقليمي، وبداية النهاية لمشروعه داخل مصر.

    ---------------

    هوامش:
    (ظ،) نظمت إسرائيل جسراً جوياًلمدة عامين شمل ظ،ظ¤ طلعة بطائرات نقل ضخمة لإسقاط أسلحة وذخائر وأدوية وأموال للأمام محمد البدر وقواته لمساعدته ضد القوات المصرية المؤيدة للضابط اليمني القومي الميول المشير عبد الله السلال الذي انقلب على حكم الائمة في اليمن. وتم الاتفاق على الجسر مع بريطانيا والسعودية في عملية سمّوها “القنفذ” وفيها حلقت الطائرات الإسرائيلية فوق الاراضي السعودية تفاديا لكشفها أو تعرضها لنيران الطائرات المصرية. لمزيد من التفاصيل انظر : Oren Kessler, “When Israel Helped Yemen’s Shiites”, Politico Magazine (April 21, 2015). Retrieved on May 28, 2015 at https://www.politico.com/magazine/sto...#ixzz3bQImuLL1
    (ظ¢) يمكن مراجعة كل خطابات عبد الناصر على الموقع التالي لمكتبة الاسكندرية ومؤسسة عبد الناصر https://nasser.bibalex.org/Speeches/S...x?CS=0&lang=ar والخطاب الرئيسي المقتبس في هذه المقالة القاه الرئيس في فبراير ظ،ظ©ظ¦ظ§ يمكن قرائته على الموقع التالي: https://nasser.bibalex.org/Data/websi...069/670222.htm
    (ظ£) Richard Parker, “The Politics of Miscalculations in the Middle East”, p. 80
    (ظ¤) البرقيات المتبادلة بين عمان وواشنطن في تلك الفترة محفوظة في الأرشيف القومي الأمريكي. وبرقية الوزارة المشار إليها تحمل رقم 198923 بتاريخ ظ¢ظ* مايو في ملفات الخارجية الأمريكية في المجموعة ظ¥ظ© في الأرشيف الوطني وهي مرسلة من قسم الشرق الأدنى بوزارة الخارجية ألى السفارة فى عمان بينما تحمل برقية السفير بيرنز رقم 021472 بتاريخ ظ¢ظ، مايو.
    (ظ¥) Parker, pp. 50
    (ظ¦) Albert Hourani, “A History of the Arab Peoples”, pp. 408-413
    (ظ§) الخطبة المشار اليها في الهامش ظ¢
    (ظ¨) برقية مرسلة من السفير الامريكي في عمان إلى وزارة الخارجية بتاريخ 21 مايو ظ،ظ©ظ¦ظ§وتحمل رقم 021670 في الأرشيف القومي الأمريكي.
    (ظ©) برقية مرسلة من السفير الامريكى في عمان إلى وزارة الخارجية بتاريخ ظ¢ظ£ مايو ظ،ظ©ظ¦ظ§ وتحمل رقم 023277 فى الأرشيف القومى الأمريكي.
    (ظ،ظ*) خطبة عبد الناصر في عيد العمال ظ¢ مايو ظ،ظ©ظ¦ظ§ ويمكن سماعها والإطلاع عليها في (https://nasser.bibalex.org/Speeches/b...D=1214&lang=ar
    (ظ،ظ،) Parker, pp. 100
    (ظ،ظ¢) نفس الكتاب، ص ظ،ظ*ظ¤-ظ،ظ*ظ¦


    المصدر فى حالة عدم ظهور الأرقام الهندية للسنوات

     

     


     
    رد مع اقتباس

    قديم 4th June 2016, 02:58 PM م الغزالى غير متواجد حالياً
      رقم المشاركة : 9
    م الغزالى
    Colonel
     





    م الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond repute

    افتراضي

    أنا : م الغزالى




    (7).. وقائع الهزيمة في حرب من طرف واحد

     

     


     
    رد مع اقتباس

    قديم 4th June 2016, 03:00 PM م الغزالى غير متواجد حالياً
      رقم المشاركة : 10
    م الغزالى
    Colonel
     





    م الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond reputeم الغزالى has a reputation beyond repute

    افتراضي

    أنا : م الغزالى




    (8).. الهزيمة المستمرة: كشف حساب الخسائر والمكاسب

    ----------------------------------

    إنتهى الملف ولم تنتهى الهزائم



    شكراً لك خالد منصور على هذا المجهود الرائع

     

     


     
    رد مع اقتباس

    إضافة رد

    مواقع النشر (المفضلة)

    الكلمات الدلالية (Tags)
    هزيمة يونيو 1967

    فى تشريح الهزيمة – عن حرب 1967 وما تلاها ... (ملف)

    « الموضوع السابق | الموضوع التالي »

    الانتقال السريع

    Currency Calculator
    Your Information
    RSS RSS 2.0 XML MAP HTML


    Powered by vBulletin® Version 3.8.8
    .Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
    (جميع الأراء والمواضيع المنشورة تعبِّر عن رأي صاحبها وليس بالضرورة عن رأي إدارة منتديات المطاريد)
    SSL Certificate   DMCA.com Protection Status   Copyright  


    تنبيه هام

     يمنع منعاً باتاً نشر أى موضوعات أو مشاركات على صفحات منتديات المطاريد تحتوى على إنتهاك لحقوق الملكية الفكرية للآخرين أو نشر برامج محمية بحكم القانون ونرجو من الجميع التواصل مع إدارة المنتدى للتبليغ عن تلك الموضوعات والمشاركات إن وجدت من خلال البريد الالكترونى التالى [email protected] وسوف يتم حذف الموضوعات والمشاركات المخالفة تباعاً.

      كذلك تحذر إدارة المنتدى من أى تعاقدات مالية أو تجارية تتم بين الأعضاء وتخلى مسؤوليتها بالكامل من أى عواقب قد تنجم عنها وتنبه إلى عدم جواز نشر أى مواد تتضمن إعلانات تجارية أو الترويج لمواقع عربية أو أجنبية بدون الحصول على إذن مسبق من إدارة المنتدى كما ورد بقواعد المشاركة.

     إن مشرفي وإداريي منتديات المطاريد بالرغم من محاولتهم المستمرة منع جميع المخالفات إلا أنه ليس بوسعهم إستعراض جميع المشاركات المدرجة ولا يتحمل المنتدى أي مسؤولية قانونية عن محتوى تلك المشاركات وإن وجدت اى مخالفات يُرجى التواصل مع ادارة الموقع لإتخاذ اللازم إما بالتبليغ عن مشاركة مخالفة أو بالتراسل مع الإدارة عن طريق البريد الالكترونى التالى [email protected]