تيودور هرتزل، يهوديّ مَجَرِيُّ، ينتمي إلى أسرة هرتزل.. وُلد في مدينة بودابست بالمجر عام 1860م، وأتمّ دراسته الابتدائية والثانوية بها، وفي عام 1878م نزل بأسرة هرتزل ما اضطرّهم إلى مغادرة بودابست إلى فيينا بالنمسا، إذْ توفيت أخت تيودور الوحيدة بالتيفوئيد، ومُنيَ والدُه بخسارة مالية كبيرة، أفقدتْه مركزه المادي المتميز بين يهود بودابست، فلم يكن بُدّ من رحيل الأسرة إلى فيينا، وفيها التحق تيودور بجامعة فيينا عام 1878م، ثم تخرج منها، ونال درجة الدكتوراة في الحقوق عام 1884م، فعمل هناك محاميًا، لكن طموحه كان يرمي إلى بعيد، حيث الشهرةُ والمجد وذيوع الصيت، فلم يتردد في اقتحام عالم الأدب والكتابة الصحفية، وانضم عام 1891م إلى جهاز صحيفة نيوفراي بريس؛ أوسعِ صحف النمسا انتشارًا، ثم عُيِّن مراسلاً لها في باريس، حيث بقي حتى عام 1895م الذي عاد فيه إلى فيينا لتسلم رئاسة تحرير القسم الأدبي في الصحيفة.
لم ينشأ تيودور هرتزل في بيئة متديّنة، بل إن ثقافته العِبْرية، كانت ضعيفة للغاية، لدرجة أنه لم يكن يعرف الكلمات العبرية التي يؤدّي بها اليهودُ صلاتَهم، وحينما تعلّمها، كان يعاني مشقة بالغة في نطقها.. وفضلاً عن ذلك، لم يكن يُعير التقاليد اليهودية اهتمامًا كبيرًا؛ إذْ كان يرغب في التحرر من قيودها والخروج إلى رحابة الدنيا وسعتها، بل لقد أظهر في عدة مناسبات، مَيْله للتَّنَصُّر، حتى يصير أوروبيًا ككل الأوروبيين في دينه ودنياه، إلا أنه كان يخشى عواقب إقْدامه على ذلك، ويخاف أباه وأفراد أسرته.
كان هرتزل واسع الاهتمام بالثقافة الألمانية، التي سادت يومئذ معظم الإمبراطورية النمساوية المجرية، بل معظم أنحاء أوروبا الوسطي.
في عام 1896م شهدت حياته تحولاً جذريًا، حين دَوَّنَ كتابًا صدر بالألمانية بعنوان "الدولة اليهودية؛ محاولة لإيجاد حل عصري للمسألة اليهودية"، وكان اليهود بأوروبا، يلقون اضطهادا واسع النطاق، فطرح هرتزل في مؤلَّفِه ذاك، فكرة عودة اليهود إلى ما سمّاه "أرض الأجداد" بفلسطين، وتزعّم الدعوة الصهيونية الحديثة، وجرت مساعيه على قدم وساق لدى السلطان العثماني عبد الحميد الثاني؛ للسماح بالاستيطان اليهودي في فلسطين، لكنه فشل، فلم تتوقف محاولاته، وسارع في دعوته، والْتَقى بالبابا بيوس العاشر، الذي رفض تأييد الخطط الصهيونية لاستيطان فلسطين قائلاً له:
(لا نستطيع أن نقبل بهذه الحركة، لا نَقْدر أن نمنع اليهود من الذهاب إلى القدس، ولكن لن نرضى به رسميًا أبدًا، إن تراب القدس قد قدّسَتْه حياة المسيح الذي عاش عليه، وأنا كرئيس للكنيسة لا أستطيع أن أقول غير هذا، لم يعترف اليهود بسيدنا، ولذلك لا نستطيع أن نعترف بالشعب اليهودي، وليس هناك غير إمكانيتين: إما أن يظل اليهود متمسكين بدينهم، ويظلوا ينتظرون المسيح الذي بالنسبة لنا قد جاء، وبهذا يكونون منكرين ألوهيةَ المسيح، ولا نستطيع أن نساعدهم، أو يذهبوا إلى فلسطين بدون إيمان، وهذا بالطبع يجعلنا أقلَّ عطفًا عليهم ونُصرةً لهم).
تيودور هرتزل، هو صاحب فكرة الدولة اليهودية في فلسطين، وهو صاحب فكرة قلع الشعب الفلسطيني من أرضه، وإسكان اليهود الصهاينة المنتشرين في شتى أرجاء المعمورة في الأراضي الفلسطينية، وإحلالهم مكان الشعب الفلسطيني، عن طريق ترحيل اليهود من أوطانهم الأصلية بالترهيب والترغيب، وبالمقابل العمل على تهجير الفلسطينيين من قراهم ومدنهم عن طريق الإرهاب والمجازر، وتضييق سبل العيش أمامهم، والتضييق عليهم، وتسهيل هجرتهم الى شتى أنحاء المعمورة، كي تخلوا لهم الساحة، تحت شعار ارض بلا شعب، لشعب بلا ارض، لذا فقد عمل اليهود الصهاينة عشرات المجازر بالفلسطينيين، ونجحوا جزئيا بإرهابهم وترحيلهم من مدنهم وقراهم، ومجازر دير ياسين و كفر قاسم وقبية وباب ألواد وعمواس ويالو وغيرها من المجازر يعرفها الفلسطينيون جيدا، ولا يمكنهم ان ينسوها أو يتناسوها بسهولة، وما زال اليهود الصهاينة يمارسون سياساتهم العنصرية وإرهابهم على الفلسطينيين في كل من الضفة والقطاع ويعملوا على إنشاء المستوطنات وتوسيع المقام منها والتهام الأراضي الفلسطينية، يوميا بدون وجه حق، متبعين في ذلك السياسة التي اعتمدها تيودور هرتزل منذ العام 1897م وحتى يومنا هذا، وبهذا يعتبر تيودور هرتزل بحق وحقيقة هو مؤسس وواضع أسس الدولة الصهيونية على الأرض الفلسطينية.
لقد تمكن الصهيوني تيودور هرتزل من إقناع الكثير من قادة الدول، في أوروبة، عن طريق ابتزازهم وتهديدهم، أو ترغيبهم بالمال والجنس، من كسب الكثير من حكام وقيادات الكثير من زعماء الدول الأوروبية كبريطانيا وهولندة وبولندة والنمسا وبلجيكا وايطاليا وفرنسا، فعملوا وساهموا على ترحيل اليهود أوطانهم الأصلية، الى ارض فلسطين، متبعين كافة الوسائل، من ضمنها الاضطهاد والتمييز العنصري، ووعدوهم بأرض الأحلام والجنة الموعودة في ارض الميعاد في فلسطين، ولم يترك اليهود أي تناقض في العالم وأي فرصة، إلا واستغلوها، و جيروها لصالحهم، فالعالم الكيماوي حاييم ويزمن، استغل قدرته العلمية على تصنيع المتفجرات كعالم للكيمياء، ووضع نفسه في خدمة بريطانيا العظمى في حربها ضد ألمانيا النازية في العام 1947م، مقابل ان تعطي بريطانيا وعدها المشئوم، بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وعلى ضوء ذلك، أصدر وزير الخارجية البريطاني انذك، بلفور، وعده المشئوم، في العام 1917م بمنح ارض الفلسطينيين لليهود الصهاينة، لإقامة دولة لليهود عليها، كما جاء ذلك بالرسالة التي أرسلها وزير الخارجية البريطاني بلفور، الى المندوب السامي البريطاني في الأراضي الفلسطينية، وطلب منه تسهيل مهمة اقامة الوطن القومي لليهود، وقد تضمنت رسالة الوزير البريطاني الى المندوب السامي ما نصه: (ان حكومة صاحبة الجلالة في بريطانيا العظمى تنظر بعين العطف والرضا، لإقامة وطن قومي لليهود الصهاينة في فلسطين، وان حكومة صاحبة الجلالة ستعمل جهدها لتنفيذ ذلك الوعد). وكان ذلك الوعد وتنفيذه من قبل الحكومة البريطانية هو أساس مصيبة ونكبة الشعب الفلسطيني منذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا، وما زالت كافة الحكومات الصهيونية المتعاقبة، تعمل على سلب الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وتبني عليها المستوطنات، وتحضر اليها اليهود المهاجرين من كافة أرجاء المعمورة كي يسكنوا بها، وتغدق عليهم المال والسلاح، كي يدافعوا عنها، ويستثمروا في أراضيها، حتى أصبحت أراضي وتلال وجبال الضفة الغربية، مزروعة بالمستوطنات، وبالمقابل حاصروا القرى والمدن الفلسطينية ومنعوا توسيع حدودها، وشق الطرق فيما بينها، ووضعوا يدهم على المياه الجوفية، ومنعوا الفلسطينيين من حفر الآبار الارتوازية لتوفير حتى مياه الشرب للسكان وكذلك لري مزروعاتهم، كما أحاطوا الكثير من الراضي بالأسيجة الشائكة واعتبروها محميات طبيعية، يمنع على السكان العرب، أصحاب الأرض الشرعيين، من دخولها او حتى الاقتراب منها، وألا تعرضوا للاعتقال وحتى القتل، وما زال المخطط الصهيوني منذ أيام تيودور هرتزل وحتى أيامنا هذه، يسير بنفس الوتيرة والسياسة، وهي الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، بقوة السلاح، وطرد سكانها الأصليين منها، ثم بناء المستوطنات عليها، وملئها بالمستوطنين المهجرين من كافة دول العالم.