الحلقة العاشرة من كتاب " فلسطين: السلام وليس الفصل العنصري".
المؤلف: جيمي كارتر الرئيس الأمريكي الأسبق.
في هذه الحلقة يسترجع كارتر تاريخ نشأة لبنان ويستعرض الخريطة الطائفية التي تشكله وتمزقه وتجعله دائما مسرحا للصراعات الإقليمية أو الدولية. ويرى أنه مع تنامي قوة حزب الله فإن تأثير لبنان على التوصل لتسوية سلمية في الشرق الأوسط أصبح تأثيرا مهما بعد أن كانت لبنان دائما ذات تأثير هامشي في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وينتقل إلى التأثير السعودي الكبير على السلام بقوة السعودية ونفوذها وثروتها، ويرى أن القادة السعوديين كانوا دائما مهتمين بتحقق الاستقرار في المنطقة قبل أي هدف آخر.
عرض 
:
لقد كانت الأوضاع في لبنان – حتى اندلاع الحرب بين لبنان وإسرائيل في صيف 2006 – تمثل عاملاً ثانوياً وقليل الخطورة في الخلافات المستمرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين ، لكنه من المفيد أن نسترجع أحداث الماضي حتى نتفهم أسباب الخلافات إمكانيات حدوث السلام .
إن لبنان كانت دائماً في موقف يتطلب منها أن توازن بين الفرق المتناحرة دينيا وسياسياً ، فعند نشأة لبنان – تحت الانتداب الفرنسي بعد نهاية الحرب العالمية الأولى – كان أغلبية السكان من المسيحيين .. مع نمو المسلمين هناك ، والطبيعة الجبلية سمحت لهذه المجتمعات الدينية المختلفة أن تتعايش في عزلة نسبية ... وأن تحتفظ بشخصيتها واستقلالها على مر القرون .. وحتى عندما كانت تحت حكم الإمبراطورية العثمانية. وقد تم تطوير ميثاق في عام 1926 – عندما كانت لبنان لا تزال تحت الإنتداب الفرنسي – يقضي بأن يتم اختيار رئيس الجمهورية بأغلبية ثلثي أصوات أعضاء الجمعية الوطنية التشريعية العامة . وجرت عادة غير مكتوبة أن يكون الرئيس من بين المسيحيين الموارنة ، على ان يكون رئيس الوزراء مسلماً سنياً ، والمتحدث باسم البرلمان مسلماً شيعيا ، وتم تقسيم المقاعد الوزارية الأخرى بين الدروز واليونانيين الأرثوذكس واليونانيين الكاثوليك ، وبالرغم من الحروب الفظيعة والنزاعات السياسية وتزايد أعداد الأغلبية المسلمة في المجتمع الحالي .. فإن هذه الترتيبات السياسية لا تزال سائدة.
إن شعب لبنان من أكثر الشعوب التي عانت في العصر الحديث بسبب تدخل القوات الأجنبية المختلفة في شئونه الداخلية
إن الانتماءات العائلية والدينية ... تتغلب على أى إلتزام بالوحدة الوطنية ، وذكريات الظلم والنزاعات الماضية .. مازالت حية في صدور من عانوا منها لفترات طويلة ، وهى التي تعجل بحدوث أفعال انتقامية بينهم ، فالتنظيمات السياسية والدينية شكلت ميليشيات عسكرية مستقلة .. كثيراً ما اعتمدت على قوى أجنبية تتدخل لصالحهم ، فالمسلمون الأتراك تحيزوا لصف الدروز ، والفرنسيون أتوا لحماية المسيحيين الموارنة ، والروس أيدو الروس الأرثوذكس ، والسوريون تحالفوا مع جوانب مختلفة حسب ظروف الموقف ، كذلك . فإن الإسرائيليين والموارنة عملوا معاً كحلفاء عسكريين ، والأعضاء العسكريون في حزب الله لهم علاقات وثيقة بكل من إيران وسوريا ، إن شعب لبنان من أكثر الشعوب التي عانت في العصر الحديث بسبب تدخل القوات الأجنبية المختلفة في شئونه الداخلية.
كان من المستحيل عليَّ تقريباً أن أتذكر كل هذه التحالفات الموجودة داخل لبنان. عندما كنت في البيت الأبيض ، وجهت العاملين في وكالة الإستخبارات المركزية (CIA) – في الملخصات الأسبوعية التي تقدم لي – أن يكتبوا ملخصاً يصف المنظمات السياسية والدينية وقادتها الحاليين وحجم ومدى فاعلية كل ميليشيا وصلاتها الأجنبية وما هى آخر التغيرات التي حدثت في أوضاعهم ، عندها فقط . أصبحت قادراً على فهم التقارير الإخبارية الآتية من هذ البلد المضطرب.
منذ زمن طويل حاول القادة اللبنانيون أن يتمسكوا بموقف محايد في سياستهم الخارجية بين الشرق والغرب وبين إسرائيل وسوريا .. ولكنهم لم ينجحوا في هذا دائماً ، ولكنهم على الأقل – كحكومة لبنانية جماعية – لم يهددوا أبداً أياً من جيرانهم . وعندما نشبت الحرب الأهلية 1975 ، قاتلت قوات المسيحيين ضد الفلسطينيين وغيرهم من المسلمين في تنافس على المميزات الاقتصادية والسياسية. وأرسل الرئيس السورى "حافظ الأسد" قوات لإستعادة النظام في البلد الذى مزقته الحروب ، وقد تمت هذه الخطوة بعد موافقة رسمية من رجال الحكومة اللبنانية الذين يمثلون كل الأطراف الرئيسية وموافقة إسرائيل وأمريكا ، أما جامعة الدول العربية فقد وافقت على هذا فيما بعد ، وبالرغم من أن البلدين مستقلان بصورة رسمية إلا أن القادة السوريين إعتبروهما "بلداً واحداً وشعباً واحداً" وعندما فحصت خرائط سوريا خلال زيارتي لدمشق .. فإنه لم يكن هناك "خط حدود دولية"، كذلك فإن العلاقات الدبلوماسية الثنائية لم تكن موجودة بين الحكومتين ، ولقد استاء "الأسد" من تلميحاتي بأن العلاقات الدبلوماسية الثنائية لم تكن موجودة بين الحكومتين ، واستاء أيضا من تلميحاتى بأن هذه القوات تعتبر .. "غزو" .. أو حتى "قوات أجنبية" ... وأصر على أن قواته تعتبر وجودها في لبنان مؤقتاً.
عندما كان "عرفات قائداً لمنظمة التحرير الفلسطينية ... كانت قوة المنظمة في لبنان محسومة ، وهجماتها عبر الحدود على إسرائيل لم تنقطع ، وفى يونيو من عام 1989 غزت موجات كبيرة من القوات العسكرية الإسرائيلية لبنان وتقدمت حتى حاصرت بيروت ... بهدف طرد المنظمة من لبنان ، وكان مبررهم لهذا .. هو أن المنظمة اغتالت السفير الإسرائيلي في لندن .. بالرغم من أن مجموعات مختلفة إدعت – فيما بعد – مسئوليتها عن هذه الجريمة.
حتى بصفتي مواطنا عاديا .. كان مثل هذا الغزو .. أمراً فظيعاً بالنسبة لي ، وأعربت عن قلقي لبعض كبار القادة الإسرائيليين الذين اشتركوا في مفاوضات كامب ديفيد ... لأن هذا الهجوم يعتبر خرقاً للإتفاق ، وأتاني الرد المزعج من مصدر موثوق منه في القدس "لقد حصلنا على موافقة واشنطن قبل قيامنا بهذا" ، لكن مستشار الأمن القومى الخاص بالرئيس "ريجان".. أنكر حدوث أى موافقة رسمية على الغزو ، وفيما يبدو .. فإن أبسط التلميحات الرسمية التي تدل على الموافقة ... كانت كل ما تحتاج إسرائيل إلى سماعه.
لقد تسبب القصف الإسرائيلي للمدن اللبنانية في وقوع عدد كبير من القتلى .. وهو ما زاد من حدة المعارضة لهذه العملية .. حتى داخل إسرائيل ، وتم اختيار المسيحي الماروني " بشير الجميل" – حليف إسرائيل – كرئيس للبنان ، وتحت ضغط من واشنطن .. فإن الإسرائيليين قاموا بانسحاب جزئي نحو الجنوب ، بينما دخلت قوات أمريكية وأوربية بيروت لتشرف على ترحيل "عرفات" وآلاف من قوات المنظمة ، وفى تتابع سريع للأمور .. غادرت قوات السلام الغربية بيروت معتبرة أن الأزمة قد حلت .. ثم تم إغتيال الرئيس "بشير الجميل" .. وعادت القوات الإسرائيلية لبيروت وضواحيها ، وبعد هذا بأيام قليلة .. تعرض أكثر من 1000 شخص من الفلسطينيين واللبنانيين المسلمين للذبح في معسكرات اللاجئين في صبرا وشاتيلا .. والتي كان يتحكم فيها حلفاء لإسرائيل ، وإعتبر وزير دفاع إسرائيل ، في ذلك الوقت – "أيرل شارون" مسئولا عن هذه المذبحة ، وعادت قوات من أمريكا وإنجلترا وفرنسا وإيطاليا إلى بيروت.
كانت القوات الإسرائيلية المحيطة ببيروت .. تتعرض لهجمات مستمرة من اللبنانيين بتأييد من سوريا ، وكانت أعداد القتلى مرتفعة ، وفى سبتمبر من عام 1983 سحبت إسرائيل قواتها – مرة أخرى – من جنوب لبنان حتى حققوا أحد أهدافهم ، إذ تم ترحيل قوات منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت وجنوب لبنان ... وأصبحت حدود إسرائيل الشمالية أكثر أمناً. ثم تعرضت قوات مشاة البحرية الأمريكية (المارينز) الموجودة حول مطار بيروت .. لهجمات متزايدة من الميليشيات اللبنانية في الجبال المحيطة بالمطار ، فقامت بالرد عليها بإستخدام المدفعية البحرية وبقصف جوى من حاملات الطائرات التي تقف بالقرب من السواحل .
فى ذلك التوقيت .. قمت بواحدة من زياراتى إلى لبنان لمقابلة الرئيس "أمين الجميل" الذى تولى الرئاسة بعد أخيه "بشير" جلسنا معاً في غرفة الإستقبال بالدور العلوى لقصر الرئاسة .. والتى تعرضت مؤخراً للقصف .. ويمكنك أن تسمع منها – أحيانا – الأصداء البعيدة للإنفجارات ، لم يظهر مضيفي أى قلق .. وتظاهرت أنا بالهدوء ، وعندما سألت عن موقع القتال .. تمشينا إلى الشرفة ورأينا أنه مركز في منطقة المطار الواقعة على بعد عدة أميال ، لقد كان أمل "الجميل" الرئيسى .. هو أن تقوم قوات متعددة الجنسيات بمراقبة تطبيق وقف إطلاق النار ، وسألته عن ادعاء "الأسد" بأنه سيسحب القوات السورية إذا طلب منه هذا .. فرد على بهودء قائلاً : "هذا ما فهمته" . وبعد تردد قصير أضاف قائلاً .. إنه في حاجة إلى بعض الوقت حتى يتمكن من الإستعداد لمثل هذا التغيير.
إن جماعة حزب الله تشكلت في لبنان عام 1982 لمقاومة الإحتلال الإسرائيلي ، ومعظم أعضاء هذه المنظمة من الشيعة المسلمين .. وتتسلم مساعدات من كل من سوريا وإيران ، يقود هذه المنظمة أحد تلاميذ "أية الله الخومينى" الذى قاد الثورة الإيرانية ضد الشاة .. ويعرف بإسم "حسن نصر الله" ، وهم يتكونون من حوالي 700 من المتشددين .. الذين يمكنوا أن يصلوا إلى حوالى 20.000 عند الضرورة ،وهم شبكة محكمة من القوات المقاتلة التي تتحكم في أجزاء من لبنان ، وهم أقوى من أن تسيطر عليهم قوات الجيش اللبنانى ، الجناح المدنى من هذه المنظمة يتمتع بالاحترام في لبنان .. بسبب الخدمات الإنسانية التي يقدمها ، أيضا.. فإن مرشحيه من السياسين يحتلون 14 مقعداً من الــ128 مقعداً التي يتكون منها البرلمان اللبناني ومنظمة "أمل الشيعية" تحتل 15 مقعداً ، وخلال إنتخابات عام 2005 .. فإن هاتين الجماعتين تمكنتا من كسب 80% من أصوات جنوب لبنان .
فى إبريل من عام 1983 – بعد زيارتى لبيروت بحوالى شهر – تعرض 63 شخصاً للقتل في إنفجار قنبلة في السفارة الأمريكية ، وفيما بعد ، قتل 241 جندياً من مشاة البحرية الأمريكية في تفجير إنتحارى لثكناتهم ، هذه الهجمات – بالإضافة إلى إسقاط طائرات البحرية الأمريكية في التلال المحيطة ببيروت – زاد من المعارضة السياسية الأمريكية القوية بوجودنا في لبنان .. وبسرعة تم سحب القوات الأمريكية من هناك ، كل هذا جعل "الأسد" .. سيد الموقف ، وقال إن العرب قد كسبوا أكثر إنتصاراتهم أهمية على الولايات المتحدة ، وأصبح على كل الجماعات اللبنانية .. أن تتجه نحو سوريا.
إسرائيل مازالت تحتل أراض لبنانية وهي مزارع شبعا
إحتفظت إسرائيل – بموافقة من أمريكا – بوجود قوى لها في جنوب لبنان ... في محاولة فاشلة لتدمير القدرات العسكرية لحزب الله ، وفى إبريل من عام 1996 ... هاجمت إسرائيل أحد مراكز الأمم المتحدة المعروفة جيداً في قانا والذى كان يضم مجموعة مكونة من 800 لبناني قاموا بالإحتماء هناك ، وكنتيجة مباشرة لهذا الهجوم قتل أكثر من 100 مدني ، وكان تصاعد الإحتجاجات الدولية العنيفة لسقوط الضحايا اللبنانيين وتآكل قواته العسكرية ... هو أحد العوامل الرئيسية التي دفعت إسرائيل لإتخاذ قرارها في مايو من عام 2000 بالإنسحاب شبه التام من لبنان بعد 18 سنة من الإحتلال.
بالرغم من أن اللبنانيين لا يملكون القوة الكافية للدفاع عن أنفسهم .. إلا أنهم إستطاعوا إثبات مرونتهم وقدرتهم على التكيف ، لقد كان حلمهم أن يصبحوا شيئاً شبيهاً بسويسرا في الشرق الأوسط ، فهم لا يريدون أن يكونوا طرفاً في أى صراع ... أو مسرحاً للقتال بين الأطراف المتصارعة ... وأن يستفيدوا من علاقاتهم الطيبة مع كل الدول ، إن الشكوى الرئيسية لحكومتهم .. هى أن إسرائيل تقوم بسجن عدد من المواطنين البنانيين .. وأنها ما زالت تحتل منطقة بالقرب من الحدود المشتركة بين إسرائيل ولبنان وسوريا.. والمعروفة بإسم "مزارع شبعاً" فلبنان تدعى أن هذه المنطقة جزء منها ، أما الإسرائيليون فإنهم يصرون على أنها جزء من سوريا ... وهو ما يبرر – من وجهة نظرهم – إحتلالها.
إن هذه هى القضية الرئيسية التي تحتاج إلى الفهم ، فمنذ عام 1924 .. فإن "مزارع شبعا" تعامل على أنها أراض لبنانية ، لكن سوريا استولت على منطقة في عام 1950 وتحكمت فيها حتى احتلتها إسرائيل مع مرتفعات الجولان في عام 1967 ، إن السكان الممتلكات لبنانيون .. ولبنان لم تتقبل أبداً تحكم سوريا في هذه المزارع ، وبالرغم م من أن سوريا ادعت المنطقة لنفسها إلا أن القيادة السورية تعترف الآن أنها جزء من لبنان ، وإن هذا يؤيد الموقف العربى .. بأن إسرائيل مازالت تحتل أراض لبنانية.
عندما تم سحب كل القوات الأجنبية من لبنان .. تزايد الضغط على سوريا من أجل القيام بنفس الشىء ، وفى عام 2004 .. أصدر مجلس الأمن بالأمم المتحدة القرار رقم 1559 لتأييد هذا الهدف ، داعياً "حزب الله" وغيره من الجماعات العسكرية لنزع سلاحهم ، كل هذا .. شجع الضغط المحلي ضد سوريا .. وهو ما جعل من إغتيال رئيس الوزراء الأسبق "رفيق الحريرى" والذي كان من أكبر المعارضين لقرارات سوريا بخصوص الحكومة اللبنانية ، على الفور خرجت مظاهرات عارمة . وسحبت سوريا ما تبقى من قواتها ، وبعدها تم إنتخاب "سعد الحريرى" – إبن رئيس الوزراء الأسبق الذى تم إغتياله – ليرأس حزب الأغلبية ـ وشعر الكثيرون بالراحة .. عندما أبعدت لبنان عن مركز الأحداث ، وعادت بقعة الضوء لتتسلط على غيرها من الأماكن في الشرق الأوسط لكن حتى هذا الحلم تحطم في يوليو من عام 2006 كما سنرى فيما بعد.
المملكة العربية السعودية
بالرغم من أن السعودية غير ملتصقة بإسرائيل بشكل مباشر .. إلا أنها تلعب دوراً هاماً في أي إتفاق دائم للسلام في المنطقة فالسعودية دولة غنية .. ولديها إحتياطيات بترولية ضخمة .. وهي التي تحافظ على الأماكن المقدسة الإسلامية .. ولديها روابط دبلوماسية مع كل دول العالم تقريباً .. وتلعب دوراً رئيسياً في جامعة الدول العربية .. ونفوذها الثابت شديد الأهمية ، وخلال فترة رئاستي .. كان القادة السعوديون يشجعون بقوة – ولكن في الخفاء – جهودي لإحلال السلام .. وحتى عندما كانت تصريحاتهم العامة تتناقض مع هذا .
إن المملكة العربية السعودية تعتبر غريبة بالنسبة للوافدين من الغرب.. وتذكرهم بكتاب ألف ليلة وليلة ، فهى معزولة من الناحية الجغرافية .. ويحكمها المئات من الأمراء الذين يتمتعون بثراء فاحش ويتمتعون بعلاقات سياسية وثيقة مع الولايات المتحدة .. منذ عهد "الملك عبدالعزيز" و"الرئيس فرانكلين روزفلت".
وبالرغم من أننا وجدنا المدن الرئيسية مثيرة للإهتمام .. إلا أننا – أنا و"روزالين" – حصلنا على أكبر قدر من الثقافة خلال زيارتى للمك "فهد" في عام 1983 بينما كان يعقد إحدى الجلسات الملكية التقليدية مع مرؤوسيه .. إذ جلس شيوخ القبائل مع مليكهم في خيمة واسعة منصوبة لهذا الغرض .. ليبلغوه بأحوال قبائلهم .. وليطلبوا منه بضائع وخدمات لأفراد قبائلهم ، بينما كنت معهم .. تم إصطحاب "روزالين" لزيارة النساء السعوديات الموجودات في معسكر آخر بعيد عن مرمى نظر خيمة الرجال ، لقد كنت أعرف "فهد" منذ سنوات بعيدة – عندما كنت في منصب الرئاسة – استشرنا بعضنا البعض في واشنطن والسعودية ، في ذلك الوقت .. كان "فهد" أكثر الأمراء الملكيين قوة .. وقد ألقى الملك "خالد" – الأخ الشقيق – على عاتقه الكثير من المسئوليات الدولية.
السعوديون وغيرهم قد بالغوا في تقدير نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية ، ولم يستطيعوا أبداً فهم عجزنا عن إنقاذ أصدقائنا في الشرق الأوسط .. عندما يكون هذا مناسباً لنا.
إن الملكية استطاعت أن توفر جواً من الإستقرار السياسى داخل السعودية . وعززوا من دورهم القيادي عن طريق التقليل من شأن الخلافات الداخلية .. والتشاور الداخلي .. والتصرف بحرص في جزء من دخل المملكة من البترول .. والاستغلال الحسن لوضعهم كحراس للأماكن المقدسة الإسلامية ، لقد حكموا عن طريق التقارب الشديد مع رعاياهم ، ولقد أخبرنى الملك "خالد" في أول زيارة لى للمملكة .. بأنه يفتح أبوابه كل يوم لعشرات من الرجال الذين يرغبون في رؤيته ، وفى يوم محدد من كل أسبوع .. يتم السماح لنساء الأسرة بمناقشة مشاكلهن وطلباتهن مباشرة معه ، لقد كان يكثر من السفر في جميع انحاء المملكة مصطحبا معه أسطولاً من عربات النقل الكبيرة التي تحتوى على مستشفى متنقل .. وكان يستقبل شخصياً كل من هو في حاجة إلى علاج طبى ، وعندما أعربت عن استغرابي من هذه الطريقة في أداء واجباته الإدارية .. لأنه تستهلك الكثير من الوقت ، فإنه أجاب بأن المملكة لن تستطيع أن تستمر في الحياة .. إذا تجاهل قادتها التزامهم بتقديم خدمات شخصية لأفراد الشعب.
إن أكثر الرغبات وضوحاً لدى السعوديين .. هى الاستقرار في المنطقة ، فإن أحد أهم إلتزاماتهم هى الوصول لأن يشعر العرب جميعاً بأنهم أخوة .. خاصة الفلسطينيون الذين يعتبرون أكثر الضحايا معاناة ، وهم ينظرون للصراع الفلسطينى الإسرائيليى على أنه أكثر العقبات خطورة أمام السلام الدائم في المنطقة ، ومما لا شك فيه .. أن قادة السعودية يشاركون العرب مشاعرهم الرافضة تجاه تعدي إسرائيل على الأراضي التي احتلتها من إخوانهم المسلمين ، لكن ملوك السعودية عبروا عن تأييدهم لحل الصراع القائم من خلال الوسائل السلمية .. إذا كانت النتائج لن تخاطر بحقوق الفلسطينيين الأساسية ، إن السعوديين يعتبرون الاقتراحات التي تقدم بها ملك السعودية "عبدالله" .. والتى تبنتها جامعة الدول العربية في مارس من عام 2002 تتلائم تماماً مع خريطة السلام التي تقدمت بها اللجنة "الرباعية الدولية والتى يتم فيها الاعتراف بإسرائيل في حدودها السابقة لحرب عام 1967.
إن الكثيرين منا قد فشلوا في فهم السعوديين ، فالبرغم من ثرائهم وهيبتهم .. فإن عليهم أن يكونوا حذرين في التعامل مع القضايا الحساسة ، وهذا السلوك له ما يبرره .. فهم دولة صغيرة نسبياً .. ذات تعداد قليل .. وقوتهم العسكرية محدودة .. وهم محاطون بالعديد من الجيران الذين يمكن أن يتوقع منهم الخطر ، وقدرتهم على القيادة تعزى إلى مرونتهم وقدرتهم على جمع شمل مجموعة من القادة المستقلين الحساسين في عالم عربى مقسم ، وبإمكاني أن أضيف إلى هذا .. أن السعوديين وغيرهم قد بالغوا في تقدير نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية ، ولم يستطيعوا أبداً فهم عجزنا عن إنقاذ أصدقائنا في الشرق الأوسط .. عندما يكون هذا مناسباً لنا.
إن القادة في السعودية لهم أهمية قصوى .. وقوة مفيدة في الشرق الأوسط ، ونفوذهم يمكن أن يعني الفرق بين السلام والاستقرار في المنطقة .. وحرب وغليان سياسي مستمر ، وهناك استعداد بين صانعي السياسة الأمريكية إلى تجاهل الانتهاكات السعودية لحقوق الإنسان اعتبارا لأهمية وضعهم.
آخر 10 مشاركات
19th February 2010, 06:32 PM
كتاب جيم كارتر. لبنان أكثر الشعوب التي عانت من تدخل الغير في شئونه الداخلية والسعوديو
العرض العادي
